بين صحون “روميو وجولييت” وكؤوس الطاووس .. فاترينة جدتي تحمل “دزينة” ذكريات
سكنت تفاصيل كل منزل سوري، خزانة تغص بالزجاج، مرتبة ومحفوظة في صالة المنزل وعليها تحذير أبدي “ممنوع الاقتراب أو اللمس”.
احتفظت السيدة السورية قديماً بمجموعة زجاج كاملة، تنفض الغبار عنها وتعيدها إلى مكانها كشاهد حي على قصة زواجها، كصحون روميو وجولييت، أو كؤوس الطاووس وفناجين السجادة وغيرها مما تعتبره السيدات كنوزها الثمينة.
استحضرت لحظة من الماضي وقالت أم ثائر، السيدة الستينية، لتلفزيون الخبر: “كنت أتباهى بين جاراتي بالزجاج الذي جلبته عند الزواج، كالخزف الصيني والكريستال.
وأضافت “أم ثائر” “قمت بعرضه في غرفة الجلوس داخل “فاترينة”، لم أستعمله إلا عند قدوم ضيوف خوفاً عليه من الكسر، وأبقيت غيره في المطبخ “بين الإيدين”.
وتخرج عادة هذه المقتنيات “الثمينة” من فئة الصمديات في التصنيف لفئة ما يمكن استخدامه في الأعياد غالباً وعند عزائم ودعوات العائلة الكبرى والمناسبات الاستثنائية كالخطوبات والزواج وما شابه.
وتماثلت غالبا ما تقتنيه “عرائس الماضي” منذ عشرات السنين وإن اختلفت ببعض تفاصيلها بحسب الطبقة الاجتماعية التي كانت تنتمي لها العروس.
بنظرة الواثق من نفسه وبكل فخر، تحدثت الجدة خديجة، “رأيته في السوق بثلاثين ألف، وأنا اشتريته بثلاث ليرات”، الأسعار زادت بشكل جنوني، هو طقم فناجين قهوة تتباهى به اليوم أمام جيل جديد ينظر اليه على انه “أنتيك” ثمين سعره “ما فتح ورزق”.
ترى الجدة خديجة الفرق الهائل في السعر بين أيامها وأيام حفيداتها، فيما تقيس أخريات الأمر بالجودة والمتانة والجمالية ودقة الصناعة.
وتكمل خديجة، “كان الله بعون من يخاطر ويتزوج هذه الأيام، المبلغ الذي تحتاجه عروس الآن كفيل بتجهير 7 غيرها على زمني، والمحظوظة من خبأت لها أمها جزء مما تحتاجه.
وتشرح ليلى ضاحكةً، لا للسيف ولا للضيف ولا للاستخدام، أبقت أمي على الزجاج في الكراتين، هي لم تقم بعرضه حتى، فبحسب وجهة نظرها هذا قطع نادر ويجب المحافظة عليه.
أما نسرين، سيدة أربعينية، فكان لها رأي مختلف وبينت أن الزجاج الذي جلبته عند زواجها أصبح “موضة قديمة” ومن غير اللائق استخدامه، وفضلت الأنواع الجديدة التي تتسم بالبساطة والرقي بعيداً عن الرسم وعجقة الألوان الكثيرة.
وتضيف نسرين، “كان لدى نساء الحي قديماً نفس نوع الصحون والكؤوس وقس عليه جميع أدوات المطبخ، ربما هذا ما دفع والدتي إلى “تكريم زجاجها” وصمده والتباهي به، وكان مسموح لنا “الفرجة” فقط.
وبينت أم سمير، سيدة سبعينية، أن الزجاج الذي احتفظت به أعطته لبناتها عند زواجهن، وقالت “خبأته لهن عند الطفولة حتى يرونه عند الكبر، واتضح أني على حق كالعادة”.
“احترق كلو”، تنهدت سهام بحسرة، خبأته على سقيفة المنزل واحترقت بمقتنياتي كلها، اشتريت غيرها طبعاً، بينما بقيت بعض القطع حسرة حتى الآن كونها من خارج سوريا.
الحريق حمل معه خسائر أكبر من مجرد مجموعات من الخزف الصيني والكريستال، حمل معه خسائر في الذاكرة والذكريات لا يمكن تعويضها، هو ما أكدته أكثر من سيدة فقدت مقتنياتها الحبيبة الخاصة في حوادث أليمة كالحريق أو الدمار جراء الحرب أو السرقة أو “التعفيش”.
وإن كانت “عروسات” هذه الأيام بحسب ما قالت لينا لتلفزيون الخبر “أكثر عملاتية، وستايل الحياة لا يتناسب مع ترف حجز مساحة كبيرة في المنزل ولا من الميزانية لتجهيز العروس بمقتنيات ثمينة يصعب استخدامها وتعويضها بحال التلف والكسر، تبقى لرؤية هذه النفائس في فاترينات الجدات أثرها الجميل في الذاكرة”.
عادات جميلة توارثها جيل، كموضة “صندوق ستي” الذي احتفظت به بكل مقتنياتها الثمينة، أصبحت “فاترينة ” أمي وجدتي مخزون ذكريات لمعروضات، لكل قطعة منها غصة وقصة عن أيام ولت برسومات على سطح زجاج تسترجع الزمن الجميل بفنجان قهوة وصحن.
بتول حجيرة-تلفزيون الخبر