ساحات في دمشق .. ماحكاياتها ؟
لا تكاد تخلو الطرق في دمشق من العديد من الساحات العامة التي اشتهرت بها وغدت مع مرور الزمن معلماً من معالم المدينة لها شهرتها المحلية والعربية والدولية، لتشهد تلك الساحات أيضاً معظم احتفالات المدينة السياسية والجماهيرية والاجتماعية والثقافية.
وأغلب هذه الساحات تضم بين تفرعاتها نصباً تذكارياً ذا دلالة وطنية، كساحة الأمويين وساحة يوسف العظمة، وفي ساحات أخرى كساحة السبع بحرات نصب فيها نصب ذو دلالة استعمارية.
ففي دمشق يوجد نحو عشرين ساحة شهيرة، منها ساحة المرجة والعباسيين والمالكي ويوسف العظمة، وساحة باب توما، والحجاز، والأمويين، وساحة السبع بحرات.. وغيرها.
ساحة المرجة:
لا يضاهيها ساحة أخرى في سوريا من حيث الأهمية والعراقة، وإنها جزء من تاريخنا القديم والحديث، أخذت الساحة على مر الأيام والسنين أسماءً متعددة: فهي الجزيرة أو بين النهرين، المرج الأخضر أو الميدان الكبير، ساحة المرجة أو ساحة الشهداء، كلها أسماء أُطلقت على مرِّ السنين على ساحة المرجة.
ولطالما اعتبرت ساحة المرجة شاهداً على أحداث سياسية مهمة مرت على دمشق، فبعد سنوات من تأسيسها قام العثماني جمال باشا السفاح بإعدام رجالات سوريا ولبنان فيها في 6 أيار 1916.
كما شهدت الساحة إعدام أبطال الثورة السورية الكبرى الذين ألقت فرنسا بجثثهم في تلك الساحة لدبِّ الذعر والخوف في نفوس الناس، وشهدت دخول الأمير فيصل والجاسوس لورنس وطرد العثمانيين من دمشق عام 1918م.
وفي عام 1920 شهدت إعلان استقلال بلاد الشام والذي أعلنه المؤتمر السوري الأول، ولطالما شهدت طوفان بردى المتكرر إثر الأمطار الغزيرة وما كان يعرف بالفيضان أو (الزورة) فتغمر الساحة والأسواق المجاورة.
أقيم في ساحة المرجة عام 1907 ذلك النصب التذكاري الشهير بمناسبة إطلاق خط البرق القادم من اسطنبول إلى دمشق إلى المدينة المنورة، حيث انطلق منها خط البرق بالتزامن مع إطلاق الخط الحديدي الحجازي ومحطة القطارات المجاورة.
وفي عهدها القديم شهدت انطلاق عربات الحنتور السوداء تلاها دخول حافلات النقل الداخلي الكهربائية والتي أطلق عليها الدمشقيون اسم “الترامواي أو الترين” ثم شهدت دخول السيارة (الأتوموبيل) و”البوسطة” باصات النقل، وكانت مركزاً لشركة “نيرن” لنقل الركاب إلى البلاد العربية عبر الصحراء.
كانت “المرجة” مكاناً ثقافياً اجتماعياً سياحياً، ففيها أضخم الفنادق “فندق فكتوريا” وأول دار للسينما (سينما زهرة دمشق) التي عُرض فيها أول فيلم سوري، وانتشرت العديد من المقاهي في هذه الساحة ولعل من أقدمها الكمال وعلي باشا ومقهى الورد.
ساحة العباسيين:
ساحة العباسيين تقع في وسط دمشق تقريباً، ويتفرع منها أهم الشوارع بدمشق كشارع بغداد كما تعتبر المنفذ الحيوي للغوطة الشرقية كجوبر وزملكا وعربين وحمورية وحرستا ودوما بالإضافة إلى الطريق الواصل لمطار دمشق الدولي والمناطق الجنوبية والمخيمات الفلسطينية.
سُميت الساحة نسبة إلى العباسيين وهم ثالث خلافة إسلامية. وجُددت الساحة منذ عدة سنوات.
ساحة المالكي:
سُميت هذه الساحة على اسم الشهيد الوطني عدنان المالكي نائب رئيس أركان الجيش السوري الذي تم اغتياله في الملعب البلدي في دمشق في نيسان 1955.
ففي وسط الساحة يوجد نصب تذكاري للشهيد المالكي، وفي صدر الساحة متحف يحتوي على الأغراض الشخصية للشهيد، والبذلة التي كان يرتديها أثناء اغتياله وعليها آثار الدم.
ساحة يوسف العظمة:
ساحة المحافظة “نسبة لمحافظة دمشق” أو بوابة الصالحية، أو ساحة يوسف العظمة، تسميات لساحة واحدة تقع في بداية شارع الصالحية أكثر الأماكن التجارية ازدحاماً بدمشق.
اشتهرت الساحة باسم “ساحة يوسف العظمة” تيمناً بيوسف العظمة وزير الحربية السوري شهيد معركة ميسلون الشهيرة، التي خاضها دفاعاً عن الوطن ضد الفرنسيين، وكان أول وآخر وزير حربية عربي يخوض معركة ويستشهد فيها.
حيث يتموضع في وسط الساحة تمثال للشهيد العظمة الذي تبرع به أبناء الجالية السورية في العاصمة البرازيلية “سان باولو” عام 1938م، وصُمم من قبل فنان إيطالي، وصُنع ونفذ في سان باولو وأرسل إلى دمشق.
نصب هذا التمثال لأول مرة أمام مبنى نادي الضباط القديم في طريق الصالحية بجانب البرلمان على زاوية النادي، ومن ثم نقل التمثال إلى ساحة محافظة دمشق، وفي عام 1966، نقل التمثال إلى مبنى الهيئة العامة لأركان الجيش ووضع مكانه ما سُمي تمثال (الثوري العربي) وهو تمثال لفلاح يحمل الشعلة.
بقي هذا التمثال في وسط الساحة إلى عام 2004 حين وجه الرئيس بشار الأسد بإعادة نصب الشهيد يوسف العظمة إلى ساحته كما كان بالماضي ونقل تمثال “الثوري العربي” إلى طريق درعا الدولي.
وفي عام 2007 احتُفل بتدشين ساحة يوسف العظمة بعد إعادة تأهيلها بشكل جميل ورائع احتفاء بدمشق عاصمة للثقافة العربية في العام 2008، وصُنع تمثال جديد للشهيد يوسف العظمة مغاير في التصميم والتنفيذ للتمثال الذي صُمم ونفّذ في سان باولو من قبل الجالية السورية ونصب في الساحة.
ساحة باب توما:
سُميت بهذا الاسم نسبة لباب توما أحد أبواب دمشق القديمة، الذي بني أول مرة في عهد الرومان وأعيد بناؤه في زمن الملك الناصر داوود عام 1228م وتوما هو القديس توما أحد رسل السيد المسيح الاثني عشر حيث كانت دمشق مقصداً ومنطلقاً للرسل والقديسين على مر التاريخ.
وتقع الساحة في الجهة الشمالية الشرقية من مدينة دمشق القديمة، وتفصل بين المدينة القديمة وبين التوسع العمراني الحديث لدمشق، وهو بوابة العبور لدمشق القديمة من الجهة الشمالية الشرقية، وتحفل هذه الساحة على مدار العام بالعديد من الاحتفالات الوطنية والدينية.
ساحة الحجاز:
ساحة الحجاز من أشهر ساحات دمشق، تقع في قلب المدينة، وأخذت اسمها نسبة إلى الديار المقدسة، عند تسيير أول رحلة بالقطار إلى المدينة المنورة في عام 1908، وشُيد في صدر الساحة ما بين عامي 1908 و1910 بناء أثري عريق هو محطة القنوات لوقوعه في حي القنوات.
لكن الدمشقيين أطلقوا عليه اسم محطة الحجاز، وأنشئ في الوقت نفسه نصب تذكاري عبارة عن (سبيل ماء) وهو أحد معالم المحطة الرئيسية، وكانت الغاية من إنشائه تتماشى مع عادات وتراث أهل دمشق، في إنشاء سبل الماء في كل الحارات والساحات، وهذا السبيل كان القصد منه خدمة رواد محطة الحجاز من المسافرين والقادمين.
تحيط بساحة الحجاز عدة أبنية حديثة وتاريخية، ومنها فندق الشرق الذي لا يزال يحتفظ بذات المواصفات التي كانت عند بنائه في عام 1934، كما تطل على مبنى البريد الذي يعتبر بدوره من معالم دمشق.
جددت الساحة عدة مرات وتغيرت ملامحها، ولكن مبنى “محطة الحجاز” لا يزال يحتفظ بتكوينه المعماري منذ أنشئ قبل أكثر من 100 عام.
ساحة الأمويين:
من الساحات الأجمل والأشهر في العالم، ساحة الأمويين التي تجددت وتطورت على مر السنين، حيث كانت عند الاستقلال عن الانتداب الفرنسي عام 1946 في الطرف الغربي لمدينة دمشق تفصل المدينة عن قرية المزة.
والساحة الواقعة مكان القلب من دمشق سُميت بهذا الاسم نسبة لبني أمية الذين كانت دمشق عاصمة لهم، وفي طرف الساحة نصب تذكاري للسيف الدمشقي.
يذكر أن ساحة الأمويين خلال نهايات الخمسينيات ومطلع الستينيات من القرن الماضي، كانت في قلب الانقلابات العسكرية التي اجتاحت سوريا آنذاك، لوجود مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في هذه الساحة فكانت آليات وجنود الانقلابيين تتمركز فيها ومنها يذاع آنذاك البلاغ رقم واحد.
كما شهدت الساحة في العام 2008 أهم حدث ثقافي في سوريا، آنذاك، وهو الاحتفال بدمشق عاصمة الثقافة العربية.
روان السيد – تلفزيون الخبر