خيوط من ذهب ونار على علم.. “البروكار” اسمٌ من روح دمشق
يلتزم اسما دمشق والبروكار ببعضهما البعض منذ القدم فهذا القماش ملتحمٌ بالمدينة وتراثها وتاريخها، وملمسه ملمس روحها من الماضي حتى الحاضر، فإذا ما ذُكرت دمشق ذكر البروكار.
البروكار الدمشقي الذي لبسته ملكات العالم، وهو إبداع سوري عمره أكثر من ألف عام، وتعريفه عالمياً: “قماش مصنوع من الخيوط الحريرية الطبيعية وتدخل فيها الخيوط الذهبية أو الفضية لتزيد جماله وبهاءه”، أما التعريف الفرنسي للبروكار:” فهو خيوط من ذهب ونار على علم”.
حيث يُصنع البروكار الدمشقي من الحرير الطبيعي مائة بالمائة، ويتم في بعض الأحيان إدخال خيوط القصب ذات اللونين الأبيض والأصفر في صناعته ونقوشاته.
ومن مميزات البروكار أيضاً أنه يُحاك على الأنوال اليدوية، وذلك يستغرق وقتاً طويلاً حيث إنها لا تنتج في اليوم الواحد أكثر من ثلاثة أمتار من البروكار.
ومن أشهر الرسومات والنقشات في البروكار “طيور الجنة”، وهي ذات صفة شعبية في تراثنا حيث كانت تقدم قبل زفة العروس لأن طيور الجنة العاشق والمعشوق رمزت وفق المعتقدات السائدة إلى الطهر والعذرية.
ولاقت هذه النقشة اهتمام العاشقين والمحبين، وتليها نقشة الشاعر عمر الخيام والسلطان صلاح الدين” إلى جانب نقشة “البندقة” وصولاً الى نقشة “الخيط العربي” ذي الصفة الشامية الخاصة.
وهناك أيضاً عدد من النقوش المتوارثة، ونظراً لسيطرة العمل اليدوي فإن النقوش لا تظهر نفسها في كل قطعة (بروكار) فالنساج يضع فيها شيئاً من روحه وخياله وفوق ذلك يمكن للنساج أن يبتدع عن طريق الارتجال نقوشاً جميلة مميزة.
كما كان النساجون فيما مضى يذهبون الى المنازل الدمشقية القديمة، أو الى الأمكنة الأثرية وينتقون النقوش من جدرانها وسقوفها.
أما عن استعمالات البروكار، فيستعمل البروكار حسب مواصفاته فمنه الثقيل الذي يستخدم للبرادي ووجوه الوسادات وهناك الخفيف الذي يستخدم للملبوسات العادية كالفساتين والقمصان وربطات العنق الرجالية.
ومن تاريخ البروكار تشتهر قصة الملكة اليزابيت الثانية ملكة بريطانيا عام 1947 عندما أرسلت موفدين إلى دمشق من أجل حياكة ثوب زفافها من البروكار الدمشقي، حيث أبت إلا أن يكون شيء من قبس الشرق حاضراً في ليلة زفافها.
وتم صنع هذا الثوب بلون أبيض مذهّب من نقشه العاشق والمعشوق، الذي أسر القلوب بزخرفته الفائقة ورسومه الرائعة، ولا يزال هذا الثوب موجوداً في متحف “مدام توسو” بلندن شاهداً على عراقة الصناعة الدمشقية.
وفي الحديث عن تسمية “البروكار”، تقول الروايات: إنه “في السابق كان البروكار يحمل تسمية ( دامسكو) وهي لفظة انكليزية تعني (دمشقي) لأن دمشق وحدها من بين جميع المدن متخصصة بإنتاج هذا النسيج”، بحسب مواقع مختصة.
وفي الثلاثينيات تمت تسمية “البروكار” إثر حادثة طريفة، حيث كان أحد العمال يدعى برو (مصغر ابراهيم) يعمل في إحدى ورش “الدامسكو” في دمشق وفي إحدى المرات سأل عنه أقاربه، فقيل لهم: (برو في كار) أي يعمل في مهنة النسيج، ومع تمادي الزمان حُّرِفَ الاسم فأصبح “بروكار”.
ومع مرور السنوات بقي “البروكار” محافظاً على خصوصيته، إلى جانب كل المنسوجات والصناعات الدمشقية التقليدية في أسواق الحرف اليدوية المهنية، تمثل إرثاً حضارياً دمشقياً يلزمه الحماية والاحتضان.
تلفزيون الخبر