وفاة شيخ كار العطارين بدمشق .. محمد خير الغبرة يودِّع “معطرة الفردوس”
“من عند الغبرة” .. العبارة الرنانة التي يتادولها كل من زاروا سوريا أو غادروها أو رحلوا عنها مؤقتاً، العبارة الأشهر التي تكتب أو تقال ضمن قائمة التوصيات إذا ما اندرجت فيها “عطورات من الشام”.
عطورات الغبرة ذائعة الصيت كما أريجها فقدت، الخميس، مؤسسها وناثر عبقها الأول “محمد خير الغبرة”، تاركاً الماركة الدمشقية العالمية بأيدي ثلة من عائلته ممن يحملون ذات اسمها “الغبرة”.
بدأت حكاية بائع العطورات الأشهر مع شغفه هذا في ركن من أركان المدينة القديمة بدمشق، تحديداً في أول زوايا سوق البزورية العريق، اتخذ محمد خير محله “معطرة الفردوس” ليتجمع حوله كل من زار ذلك السوق لما في عطوره من تميز يلفت العابرين.
إحدى زبوناته امرأة أربعينية، قالت لتلفزيون الخبر: “ابتسامة هذا الرجل لاتفارقني كما كانت لا تفارق وجهه، فبينما كانت يداه تركّب العطر كان يروي على مسامع زبائنه فكاهات مضحكة مع رشة العطر المعهودة التي لابد منها “كضيافة المحل” لكل من يسأله سؤال ولاتكاد تفارق ثياب العابر حتى يغسلها”.
وأضافت “كان أبو الخير يقدم النصائح لزبائنه في نوع العطر الذي يناسبهم، مردداً على الأسماع “كما تختلف طبائع الناس وأشكالهم كذلك تختلف العطور المناسبة لكل منهم”.
وفي التعريف عنه، هو العطار “محمد خير الغبرة” الملقب بـ “أبو الخير” مارس هذه المهنة منذ أكثر من نصف قرن في دكانه، مستخدماً عبارات ترحيب متميزة لا تخلو من اللغات الأجنبية التي كان يجيد بعضها كالإنكليزية والألمانية والتركية.
حيث تقول الروايات: إن “محمد كان طفل فضولي في صغره، كان فقط في الثامنة من عمره عندما بدأ في مساعدة أخيه الأكبر في محاله لصناعة وتركيب العطور في دمشق القديمة”.
و كان بائعاً بارعاً قدّر عمله واهتم به كثيراً، إلى أن بدأت رحلته في “معطرة الفردوس”، وكان من عشاق الطبيعة، ولديه منزل دمشقي عربي مليء بالأزهار من كافة الأنواع والأشكال في حديقة المنزل الواسعة حيث اعتاد على تقطير بعض الأزهار لاستخراج زيوت طبيعية.
وتعتبر معطرته من أكثر المحال العتيقة الكلاسيكية في دمشق على مضي السنين، اصطفت العديد من الروائح العطرية على الرفوف الخشبية الموزعة على جدران المحل العتيق، لتشكل تلك العطور مع روائح بهارات سوق البروزية مزيجاً يعلق في الأذهان وتتعلق به الأرواح.
شغف الغبرة، الأب الروحي للعطور في دمشق، وحبه للعطور جعل منه واحداً من أشهر العطارين في المنطقة، وهو الذي اعتاد على تركيب عطور خاصة على حسب طلب المشترين.
كما حمل الغبرة على عاتقه تطوير هذه المهنة مع تطور رغبات الناس وطلباتها من العطور، في الوقت الذي يزداد فيه الطلب على العطور الأجنبية، محولاً الأنواع المحلية إلى تركيبان تتناسب مع الأنواع الأجنبية المعروفة من العطور.
يمتلك الآن العشرات من أفراد عائلة “أبو الخير” محلات تأخذ معظمها لقب “الغبرة” تنتشر في أسواق دمشق القديمة والشعبية والحديثة منها، وكان يعتبر “أبو الخير” عميدها وشيخ كار العطارين في دمشق.
يذكر أنَّ الراحل المعروف بلقب “أبو الخير” في دمشق، حائز على إجازة جامعية من كلية العلوم من جامعة دمشق، وعمل لفترة قصيرة في مهنة التدريس، إلا أنه قرر فيما بعد ترك التدريس والتفرغ لمهنة آبائه وأجداده.
روان السيد – تلفزيون الخبر