“ خميس شتّت ..مواطن دبّر راسك”.. عن سوء إدارة الأزمة … بقلم فرح يوسف
يُقال: إن بدء مقال صحفي أو موضوع تعبير في المرحلة الابتدائية (قبل أن تصبح مرحلة تعليم أساسي)، بقول ليس للكاتب هو فشل وهروب لإخفاء عدم القدرة على بدء مقال أو موضوع تعبير في المرحلة الابتدائية.
ويقال أيضاً: إن إدارة الأزمات هي “الاستعداد لما قد لا يحدث والتعامل مع ما حدث”، فيما يبدو أن أسلوب إدارة وزارة المهندس عماد خميس لأزماتها المتعاقبة والمركبة في ظل الأزمة السورية الكبرى هي قاعدة “مسؤول شتّت مواطن دبّر راسك”، في محاكاة لأداء منتخبنا الحالي “دفاع شتت وهجوم دبر راسك”.
وإن كانت الدولة السورية استبقت الحدث بخطوات في عام 2011 لتطلق على ما كان يبدأ مجهول المعالم في سوريا اسم الأزمة السورية، في قراءة واضحة، لم يلتقط رسالتها الكثير من المسؤولين والمواطنين، فإن التسمية المبكرة المُطلقة على الحدث أشارت بتعريفها إلى ما سيزداد ويتضخم ويتفاعل مع الوقت.
إذاً هي لم تكن تسمية للتقليل من حجم الحرب الكبرى، بل هي إدراك وقراءة دقيقة من الدولة السورية بقيادتها السياسية لما سيجري، وهو فعلاً ما كان.
لكن تعريف الدولة السورية الدقيق لما حصل وسيحصل، لم ينعكس بشكل دقيق على أداء المؤسسات الخدمية المرتبطة بشكل مباشر بحياة السوري الذي حاصرته العقوبات وحروب التجويع، بهدف لا يخفى على أحد، ورغم ذلك لم تنجح العقوبات والحصار الاقتصادي أبداً في فض شارع عن ولائه وتأييده السياسي.
وإن أُرجعت دوماً أسباب سوء إدارة الأزمات إلى ثوابت لا تتغير إلا نادراً، فإن أولها وأوضحها بروزاً في قراءة الفشل الوزاري المتعاقب لأزمات وزارات كالمثال السوري الذي نعيشه يوميا فهو غالباً “الافتقار إلى قواعد بيانات حديثة”.
فتبدو حكومة خميس لا تمتلك أي فكرة عن دورية وقوع هذه الأزمات، والمواد والإمكانيات المتاحة لإدارتها، حتى باتت هذه الوزارات عارية تحت وطأة الأزمات المتعاقبة تتخبط في محاولات لحل مشكلات من الواضح أنها لا تمتلك حداً أدنى من البيانات التي تمكّنها من وضع خطط واستراتيجيات واضحة لحلها.
وليس فقط لا تمتلك ما كان الشارع السوري يطمح له وهو استقراء هذه الأزمات والكوارث قبل وقوعها وامتصاص صدمتها وعكس نتائجها.
ليأتي الحل برد الفعل أو إبر التخدير على مدى سنوات كوسيلة اتبعتها وزارة المهندس خميس لتتوَّج بطلة العالم للحكومات التي تلجأ لسياسة الترحيل والحل المؤقت للأزمات في محاولات دائمة لكسب الوقت في مراهنة لم تكسب معها سوى التقليص، وصولاً إلى فقدان ثقة الشارع بها، ضاربة بعرض الحائط (عن جهل حكماً) كل توجيه منطلق من الحاجة لرأب الصدع مع الشارع.
“مقاومة الأجهزة البيروقراطية في الدولة لأي تغيير تتطلبه الممارسات العلمية لإدارة الأزمات” سبب ثانٍ تعيد إليه المراجع تكريس حالة الفشل في حل الازمات، وفي الحديث عن البيروقراطية شقيقة الفساد وتوأمه تحمل وزارة خميس التي أنست الشارع السوري ما ومن سبقها من وزارات لتتجسد فيها هذه النقطة واضحة.
فيبرز لجوء الإدارات البيروقراطية عادة إلى إنكار الأزمة والالتفاف حولها مع محاولات ادعاء النجاح في إدارتها.
سوء الإدارة أفرغ أي مشروع للنهوض بعمل المؤسسات جزئياً وعن جهل مطلق من ثقة الشارع بالمشروع كخطوة مرجوة للحد من الفساد الذي خنق ولا زال يخنق السوريين، حتى باتت فرحة النصر الميداني واتساع رقعة السيطرة العسكرية منقوصة وآخر همومه أي تقدم سياسي كخطوة جدية باتجاه حل الأزمة الكبرى.
لا يعرف السوري شيئاً عن “سوتشي”، “أستانا”، “جنيف”، ولا يهتم من هو بعيد بالجغرافيا منهم بالمنطقة “الآمنة” أو “العازلة”، لا يهتم كثر منهم بحرب هنا وانخفاض إنتاج هناك، يكاد يغير معالم حرب المرحلة.
قلة قليلة من المحللين السياسيين يحاولون جهدهم على الشاشات الوطنية إفهام السوري أنه عالق في الربع ساعة الأخير من المعركة وأنه خارج منها منتصراً.
يدرك السوري أنه منتصر فهو ملتف حول قيادته وجيشه، ويرزح تحت وطأة عقوبات تثقل كاهله لكنه يجترح دوماً بقدرته الاستثنائية حلولاً كالمعجزات ليتعاطى مع كل المستجدات.
ويدرك السوري بوعيه وفطرته مكامن التمييز بين ما يجب أن يصمد في مواجهته وما يجب أن يشير نحوه بأصابعه على أنه سوء إدارة بأفضل تقدير، وإغراق بالبيروقراطية وتستر على الفساد من جهة أخرى.
السوري اليوم يفكر بالمدراس وافتتاحها، متزامناً مع موسم الزيت والزيتون والمكدوس والفليفلة، الحمضيات وما أدراها وزارة خميس بوجع الحمضيات؟ السيناريو المكرر رغم التحذيرات بطعنة الحبوب في خاصرة الفلاح السوري.
لا يهتم السوري للجنة الدستورية، هل تكللت معها جهود “غير بيدرسون” بالنجاح في تقريب وجهات النظر أم لا، السوري اليوم مهتم بعمليات حسابية طويلة وكثيرة تلوي ذراع الدخل الشهري وسط التصريحات الغريبة التي يطلقها هنا وهناك وزراء وحكام مصارف ورئيس وزراء.
يلمس السوري فشل وزارة خميس في التعاطي مع مختلف الأزمات التي تمس الشارع، ولا مجال هنا للحديث عن مستوى آخر لا زال بعيداً عن تعاطي الشارع معه، تتكشف منه أطراف تتعلق بشكل دائم بسوء إدارة الأزمات والذي بات كقناعة مطلقة عند عموم الشارع السوري أنه “استراتيجية إدارة الأزمة”.
سقطت وزارة النفط والثروة المعدنية مرات عدة في تحدي مواجهة الشارع المدرك والواعي والقادر بإثبات المعطيات والتجربة، على التأقلم مع كل ما يتم تقديمه له ببساطة وشفافية.
فتم التمهيد لرفع الدعم جزئياً في أزمة محروقات أولى، ليتم نفي التمهيد، ثم نفي النفي برفع الأسعار، أزمة أخرى وما تزامن معها من تنمر واضح على مؤسسة إعلامية مارست واجبها وحقها بالكشف عن تسريب صحفي، ونفي الخبر، ثم نفي النفي.
وبات رفع الدعم أمراً واقعاً بمسميات “غريبة”، التعالي والاستسهال وحالة الوصاية الدائمة على المعرفة باتت تقلق السوري أكثر من قلقه من ارتفاع في سعر سلعة أو أكثر.
ومع تأكيد رأس الهرم في الدولة السورية الرئيس الدكتور بشار الأسد على ضرورة “وضع آلية واستراتيجية محددة لكيفية تعزيز التواصل مع المواطن” تبدو المشكلة واضحة لكن مجدداً الارتقاء بالأداء الوزاري لمستوى الرؤيا لا زال على ما يبدو بعيداً.
الرئيس الأسد أكد سابقاً على وجوب الارتقاء بالأداء الحكومي ليصل إلى صمود الشارع السوري، وكان كرر الرئيس الأسد على مسامع الفريق الحكومي مرات عديدة أن “ضعف التواصل الحكومي مع الناس كان سبباً رئيسياً في تضخم العديد من الأزمات، وأن التسويق للعمل والأداء الحكومي ما زال في أدنى حالاته”.
ما جعل المواطن غير فاهم لسياسات الدولة، وبالتالي غير قادر على التعامل معها أو الدفاع عنها في مراحل لاحقة، وهذا ناجم عن عدم معرفة اللغة التي يجب مخاطبة الناس بها، والأهم عدم تزويدهم بالمعلومات الضرورية والأساسية المتعلقة بالأزمات التي يواجهونها.
الأمر الذي يؤكد أن “جزءاً مهماً من عمل الحكومة يكمن في معرفة كيفية مخاطبة الفريق الحكومي للناس وبالتالي التأثير في طريقة رؤية الشارع واستقباله لما يصدر عن الحكومة من جهة، وما يمكن أن يكون على شكل شائعات أو مغالطات لا تمت للحقيقة بصلة من جهة أخرى”.
وفي الحديث عن خيبة الشارع السوري في التعاطي مع “الشفافية المطلوبة من الحكومة في تعاطيها مع الشارع”، جاء قسم الجرائم الالكترونية، ليجعل من التنمر على الصحافة فعلاً يومياً معتاداً.
وكرس الصحافة السورية كحالة ببغائية تسبَح في فلك العمل الرسمي المصرّح عنه، وتسبّح بحمد التصريح الرسمي المقتّر بتوجيهات تتغير بين الفينة والأخرى، بحسب المعطى مجهول الملامح والمرتبط بمزاجية جهات مجهولة.
الأمر الذي عزز من الفجوة بين السوري وإعلامه الخاص الخجول بأدئه لأسباب لا تتعلق فحسب بقلة الإمكانيات التي تؤرق معظم المؤسسات الإعلامية الخاصة، فما بات يؤرقها الحفاظ على سلامة ما بقي من كوادرها.
وهنا لن نتحدث عن فجوة مع الإعلام الحكومي لأنه لا مكان للوقوف على مرتفع يسمح برؤية أبعاد هذه الفجوة التي لا يمكن حكماً ردمها بالتصريحات والوعود والعزيمة وشبكات الأخبار التي لا تردم الفجوات وحدها.
يذكُر السوري الموجوع اليوم من “إنجازات” حكومة خميس عدم الحفاظ على الأمن الغذائي للبلاد حيث تعتبر عمليات تسويق القمح للموسم الحالي 2019، وما رافقها من خلل كبير و فساد، من أخطر القضايا التي فشلت حكومة خميس في إدارتها والتي خسر بسببها المخزون الغذائي والاستراتيجي من القمح ما يقارب 500 ألف طن.
العقلية البيروقراطية سابقة الذكر بدأت موسم الحصاد بإطلاق المسؤولين الحكوميين قبل وأثناء عمليات التسويق لتصريحات مضللة تعاكس الواقع، وغير مبنية على بيانات واقعية، بل أمنيات وبأحسن الأحوال رغبات بأن تبدو هذه المؤسسات “عاملة وفاعلة ومدركة لما تفعل”.
لتطلق تصريحات بأرقام وبيانات أثبتت نهاية الموسم ابتعادها عن الواقع كل البعد ما أدى في نهاية المطاف إلى تحكم التجار والمتنفذين بمحاصيل وأمن سوريا الغذائي.
القمح والشعير ووجع الحمضيات المقتلعة أشجاره موسماً بعد موسم، ليست خيبات المزارع السوري الوحيدة، فبسبب “ترشيد الحكومة”.. زيت الزيتون السوري خرج من قائمة الزيوت المعدة للاستهلاك البشري.
حيث أُقصي زيت الزيتون السوري من القائمة عالمياً، وذلك بسبب غياب الوفد السوري عن حضور الاجتماع الدولي الخاص بلجنة الدهون والزيوت الخاصة بدستور الغذاء “CODEX” المقام في ماليزيا.
فيتجلى “بذل أقل مجهود ممكن للحصول على أكبر فائدة ممكنة”، النهج الذي لا يتماشى مع الإدارة العلمية للأزمات، التي تتطلب التنبؤ المبني على معطى والاستعداد والتدريب والتعلم من الخبرات السابقة، وهي ممارسات تتطلب تفكيراً منطقياً وجهداً علمياً منظماً.
ما سبق وعشرات غيره من الأزمات التي فشلت الوزارات السورية في التعاطي معه جعل السوري لا يدرك حتى الفرق بين أزمات تنجم عن العقوبات الاقتصادية الجائرة أحادية الجانب التي يفرضها أعداء السوريين من قوى الهيمنة، وتشديد هذه العقوبات، وبين أزمات سوء الإدارة وردات الفعل و”همروجات” الفيسبوك”.
فباتت العقوبات بقناعة الشارع السوري شماعة للفشل الإداري وإبر تخدير فاقدة للصلاحية ملَّ السوريون من حقنها في عضلهم، وهو ما يعتبر بحد ذاته خسارة كبرى للأداء الوزاري الذي يفترص أن يراكم خبرات سنوات حرب وصمود.
لتمكّنه هذه الخبرات من التعاطي مع شارعه وبيئته الداعمة ليعزز كلاً منهما صمود الآخر، ليبقى السوري ملتفاً حول قيادته وجيشه مع ازدياد الفجوة بينه وبين أداء الوزارات المعنية مباشرة بحياته ويومياته.
وإن آمن السوري وسلّم بفقدان الوزارات السورية القدرة على اجتراح الحلول للمشكلات بعد يأسه من قدرتها على استقراء المعطيات، وصولاً إلى توقع الأزمات قبل حدوثها وتعايش مع مؤسسات ردة الفعل المنقوصة على الحدث المتوقع، إلا بالنسبة للجهات المعنية فيه مباشرة،
وإن تأقلم مع الحلول التي تتجاهل حاجات الشارع وصوته ليُستعاض عن الحلول الحقيقية بردود فعل موتورة على “همروجات” وسائل تواصل اجتماعي بمعظمها يحركها ويسكتها ويحرف مسارها مجموعات وشبكات “فيسبوك”.
يعلو صوتها بقرارات ومتابعات وافتتاحات وتدشينات “دونكشوتية” توحي بجدية العمل الوزاري الذي لا ينعكس أداؤه الافتراضي على الواقع الخدمي والمعيشي للمواطن السوري.
لم تمنح ملفات الفساد والقضايا الإشكالية المتكررة ومتسارعة التواتر وزارات المهندس خميس القدرة والمرونة للتعامل معها ومع الشارع بديناميكية تتناسب وتطور وعي المتابع السوري وإدراكه الذي بات واضحاً أنه يسبق قدرات الأداء الوزاري بمراحل وخطوات واسعة.
حتى بعد جولة مكوكية من ورشات تدريب وتأهيل كوادر الوزارات والمؤسسات العامة الإعلامية كجزء من عمل وزارة التنمية الإدارية، فلا زال خطاب المؤسسات الرسمية “خشبياً” يفتقد العصرية واللغة المحاكية للشارع التي تحمل ما يقنعه مقترنة بالافعال.
فمن رئيس الوزراء تأتي أمثلة عدة، المهندس خميس قال في تصريح سابق: إن “خسائر السورية للتجارة بلغت 40 مليار ليرة سورية، وفيها نحو 200 مليون ليرة مواد منتهية الصلاحية، الأمر الذي لن نسمح اليوم أن يتكرر ولن نفرّط بقرش واحد لأن الأسعار كلها سوف تنعكس على المواطن”.
مضيفاً “سوف نتصدى لمن يحتكر المواد والسلع من رجال الأعمال والتجار”. وكان خميس واضحاً في حديثه حين قال إن “المؤسسة لم تخلو من الفساد، حيث جندت نفسها لخدمة بعض مستوردي المواد الغذائية من رجال الأعمال”.
ما سبق في بلد أزمات يخنق الفقر والمجهول أبناءها كان ليدفع وزراء للاستقالة، لكن لم يكلف أي مسؤول في حكومة خميس نفسه عناء شرح “من المسؤول عما جرى؟ “.
وكأن المواطن غير معني بمن سرق أو بدد “٤٠ ملياراً” في وقت يحارب فيه هو في معركة الصمود أمام الواقع المعاشي السيء، أو أن وعود المهندس خميس بأنه “لن يسمح أن يتكرر ولن يفرط بقرش واحد” تكفيه، ما دام الفارق بالنسبة للمواطن بين القرش والمليار، هو تصريح سيسمعه، و”سيقنعه”، ثم ينساه.
الأسابيع الأخيرة حملت قضايا فساد كبرى بأرقام مرعبة وتفاصيل أذهلت الشارع السوري، فمن يُسأل عن مدير مكافحة المخدرات في اللاذقية ورفاقه المتورطين بشبهة قضايا فساد تتعلق مباشرة بالاتجار وتسهيل الاتجار بالمخدرات بمبالغ فاقت ال300 مليون ليرة سورية، دون وجود مصدر موثوق يؤكد أو ينفي أو يوضح ما يحصل؟
ومن يوضح للشارع السوري حقيقة الحجز على أموال وزير التربية السابق هزوان الوز وزوجته وأكثر من 80 موظفاً تحت إدارته بمبالغ قيل إنها تفوق ال 350 مليار ليرة سورية، لتتداول صفحات “فيسبوك” تصريحاً مبهماً لرئيس الحكومة يقول ” الارقام طرحت بجنون ولا ادري من أين جاؤوا بها”.
رئيس الوزرء عماد خميس أيضاً صرح قبل عدة أيام أن “إنجازات” حكومته كانت دون طموح الشعب بسبب ما وصفه “بضعف الإمكانيات المتاحة والمتغيرات المتسارعة التي تفرضها مجريات الحرب الإرهابية على سوريا، والتي تترك تأثيرات عميقة يصعب تجاهلها في تتبع ما ينجز”.
التصريح انتشر دون أن يشير تلميحاً أو تصريحاً الى الأثر السلبي للفساد على الاقتصاد أو يشير إلى أي خطوات جدية للحد من فقدان وزاراته القدرة على قراءة المعطيات أو مراجعات جادة للنفس لتقويم أداء المؤسسات كمؤسسات.
وليس استبدال “طرابيش” الجهات المسببة “للشوشرة” والأهم قبل كل ما سبق هو السؤال عن الآليات الحاملة لآليات التعيين والتكليف وضبط الأداء وصولاً لآليات المحاسبة.
فإن كان هذا الغيم يجلب دوماً هذا المطر! وإن كان انتظار التشريع وتعديل القوانين وسد الثغرات كمشروع وطني للإصلاح بعيد الأمد. فبماذا يتأمل السوري إلى ذلك الحين؟
كل ما سبق يؤكد أن الإدارة العلمية للأزمات في مختلف المجالات تكاد تكون منقرضة، تتغنى بها شبكات الأخبار، والمحللين السياسيين السابحين في فلك ضرورة الظهور الإعلامي على الشاشات الوطنية، إذاً هي أسطورة كالعنقاء والخل الوفي.
ما سبق كله يعني أننا حتى لا نقف في مكان ندرك فيه الحاجة إلى مراجعة جادة مع النفس لإعادة تقويم أداء مؤسسات كل الدولة كمؤسسات، استحضار ما سبق يأتي في سياق فقدان الشارع السوري الثقة، حتى بالرغبة، وليس بالقدرة على مكافحة الفساد.
فالمقروء من تفاعل السوري على “فيسبوك” كمنبر لاستقراء نبض الشارع، بأن كل ما يُحكى عن مكافحة للفساد هو رسائل حكومية أن العمل جاد وحقيقي وأن الإنجاز بات قاب قوسين أو أدنى.
ولكن ما يبدو واضحاً أن شارعاً تملؤه الخيبة والإحباط وإعلاماً يسكنه الخوف والقلق لن يدعما وزارات خيبات متعاقبة وإنجازات “دونكشوتية” “فيسبوكية” تزيد بحد ذاتها المسافة الكبيرة بين الحكومة والشارع.
فإن كنت، لن تعطيني سمكة ولن تعلمني كيف أصيد، فلا تعطني دوّاراً ومتحلقاً في صحراء بين بساتين ب 3 مليار ليرة، لكن أخبرني من رفع الدولار وكيف سأطعم أولادي حتى آخر الشهر؟.
فرح يوسف – مدير تحرير تلفزيون الخبر