كيف تحولت الألقاب والرتب من التعظيم والاحترام إلى السخرية؟
خلال عدة عقود تحولت الألقاب والرتب التي تنتمي إلى الموروث الشعبي السوري، من وظيفتها التي وجدت لأجلها وهي التعظيم والتقدير والتدليل على سمو مكانة الشخص، إلى وسيلة للسخرية والتهكم وفي بعض الأحيان “شتيمة” وذلك بحسب طريقة قولها ومناسبة إطلاقها واستعمالها .
أحب السوريون مثل سائر شعوب المنطقة الألقاب، وبسبب كثرتها لا يفرق الغالبية من الناس بينها، مع أنه تاريخيا وجدت كل منها للتعبير عن رتبة أو مكانة مختلفة عن الأخرى، كما أن هناك فروقات بين الألقاب والرتب.
فعلى سبيل المثال، كانت “البيك” و”الباشا” و”الأفندي” رتب تمنح إداريا وسياسيا وعلميا أيام العثمانيين، إما من وزارة الدفاع أو المفتي أو السلطان نفسه، وذلك حسب مواقع تعنى بتراث الشرق اللامادي.
الباشا: كان الوزير في عهد الاحتلال العثماني يحمل تلقائيا لقب “عطوفة الباشا”، ومثله أمير الحج وكذلك المشير والفريق أول والفريق والمير، وكان أعلى مرتبة تشريفية في البلاد.
ومن باشوات سوريا الأصليين أحمد عزت باشا العابد، ومحمد فوزي باشا العظم، ويأتي ابن الباشا ليحمل أوتوماتيكيا لقب “البيك”، فكان محمد علي العابد بيك، وخالد العظم بيك.
أما سلطان باشا الأطرش ورضا الركابي وآخرون، فحصلوا على اللقب من الأمير فيصل في دمشق بعد عام 1918، ولم يحصل عليه أحد بعد عام 1920.
البيك: كانت رتبة رسمية لموظف المرتبة الأولى أيام العثمانيين، وأصبحت تشريفية بعد عام 1918، وأطلقت اجتماعيا على رؤساء الدولة والحكومات والمجلس النيابي والوزراء والسفراء والملاكين الكبار.
لا وجود رسمياً لها في سجلات الدولة السورية، وحاول الرئيس السوري هاشم الأتاسي استبدالها ب “سيد” عام 1920، ومنعت من التداول نهائيا أيام جمال عبد الناصر، ويحب الناس استخدامها تشريفيا لبعض الرجال ممن يعتبرون رموزا وطنية .
الأفندي: لقب رسمي لموظف الدولة الرفيع أيضا أيام الاحتلال العثماني، وحظي بها التجار كلقب اجتماعي، هذا اللقب لا يورث ويأتي مباشرة تحت رتبة “البيك”، وكان الدمشقيون ينادون السلطان عبد الحميد الثاني “أفندينا”.
الآغا: كانت رتبة عسكرية منحت للعائلات التي كان لها سلطة عسكرية، أو تاريخ عسكري، ومن لديها رجال يحملون السلاح تحت أمرتها، ومعظم تلك العائلات كانت تساعد الدولة في حماية الأرياف، وجبي الضرائب، وهي الأسر الإقطاعية التي حملت فيها النساء أيضا لقب “آغية”.
ومن الآغوات في دمشق عائلة العسلي وآل المهايني، وفي حمص آل الجندي والموصلي، وفي اللاذقية آل هارون، وفي حلب آل الكيخيا، وفي حماه آل الشيشكلي، ومن الأسر الشهيرة في سوريا آل البرازي والحراكي وآخرون.
وإلى جانب هذه الألقاب والرتب عرف الشعب السوري والشعوب العربية عامة عدد من التشريفات والألقاب الأخرى، مثل الخواجة ومعظمها يعود لفترة الاحتلال العثماني وكانت بطبيعة الحال وسيلة للتباهي والتفاخر.
ويقول “أبو أيمن”، أحد تجار سوق “مدحت باشا” لتلفزيون الخبر:” عرفنا في دمشق الكثير من الناس الذين حملوا هذه الألقاب حقيقة وتوارثوها اجتماعيا ععن آبائهم وأجدادهم، أما اليوم فلا نسمعها إلا في حالتين”.
ويضيف التاجر الخمسيني ضاحكا:”في الحالة الأولى من الممكن أن ننادي بها شخص نعرف أنه يحب أن يلقب بها أي “لجبر خاطره” بشكل رئيسي، أو للتملق والتقرب من صاحب نفوذ ما لقضاء مصلحة شخصية، أي كما يقولون “ضحك ع اللحى”.
ويتابع الرجل الدمشقي “أما الحالة الأخرى فهي للسخرية وهي أكثر الحالات استخداما في هذه الأيام، فإذا تأخر ابني أقول له “وين كنت يا أفندي” وطبعا أقصد بها تصغيره كونه بتأخره ظن نفسه أعلى من القانون المنزلي أي برتبة أفندي أو باشا”.
ويعقب ” أبو سعيد” جار أبو أيمن في السوق: “نسمع هذه الكلمات في بداية خناقات الشباب وفي طريقة مخاطبة شرطي لأحد المخالفين، أأيأنها بشكل خاص مرتبطة بالسخرية ممن يظن نفسه فوق القانون”.
الجدير بالذكر أن نساء العرب كذلك عرفن الألقاب والتعظيمات والتي اختلفت من بلد لآخر وتعود في معظمها أيضا إلى فترة الاحتلال العثماني.
رنا سليمان- تلفزيون الخبر