عن “ربّان سفن السوريين”.. حنا مينة في ذكرى وفاته الأولى
قبل عامٍ من يوم 21 آب 2019 رحل عن سوريا والسوريين والبحر والشراع والموج، وإلى السماء الروائي السوري والكاتب حنا مينة عن عمر 94 عاماً تاركاً مصابيحه الزرقاء نجوماً وامضة على هيئة كتبٍ ومؤلفاتٍ وروائع قيّمة سار فيها جنباً إلى جنب مع البسطاء وقضاياهم.
ولد حنا مينة في اللاذقية عام 1924 وتأثر كثيراً في أعماله التي أكسبها صفة الواقعية بمدينته الساحلية، مركزاً على البحر وأهله، بعد أن أمضى طفولته في لواء اسكندرون السليب قبل أن يعود إلى اللاذقية.
وأنهى دراسته الابتدائية في سنة 1936 ووقف عندها، ولم يكن أحد حينها “يفك الحرف” في “المستنقع” الذي عاش فيه وكتب عنه روايته المشهورة الموسومة بالعنوان نفسه.
ولطالما قال مينة: إن “البحر كان دائماً مصدر إلهامي، حتى إن معظم أعمالي مبللة بمياه موجه الصاخب”، وذلك لأنه عرف بدايات صعبة وتنقل بين أعمال متواضعة كثيرة، قبل أن ينصرف للكتابة.
كافح كثيراً في بداية حياته وعمل حلاقاً وحمالاً في ميناء اللاذقية، ثم عمل بحاراً على السفن والمراكب، كما اشتغل في مهن كثيرة أخرى منها الحلاقة ومصلّح دراجات، ومربّي أطفال في بيت سيد غني.
وكان أيضاً عاملاً في صيدلية، وصحفي أحياناً، ثم بات كاتب مسلسلات إذاعية للإذاعة السورية باللغة العامية، وعمل موظفاً في الحكومة، إلى أن شغل بالعمل الروائي.
وكانت بدايته الأدبية متواضعة حيث تدرج في كتابة العرائض للحكومة إلى كتابة المقالات والأخبار الصغيرة للصحف في سوريا ولبنان ثم تطور إلى كتابة المقالات الكبيرة والقصص القصيرة.
انتقل الى بيروت عام 1946، ثم عاد في السنة التالية إلى دمشق حيث استقر فيها، وعرف الغربة كذلك إذ أقام في أوروبا والصين لسنوات طويلة.
كان مينة يرسل قصصه الأولى إلى الصحف السورية في دمشق بعد استقلال سوريا حين بدأ يبحث عن عمل وفي عام 1947 استقر به الحال في العاصمة دمشق وعمل في جريدة “الإنشاء” الدمشقية حتى أصبح رئيس تحريرها.
وكتب مسلسلات بالعامية للإذاعة السورية، كما عمل في وزارة الثقافة لمدة عقدين من الزمن، وانتقل بعدها إلى كتابة القصص القصيرة ثم الرواية.
وترك حنا مينة نحو أربعين مؤلفاً ومن أهم أعماله “الشراع والعاصفة” (1966) و”الياطر”(1975) و”نهاية رجل شجاع”(1998)، وتناول في الكثير منها، البحر وأهواءه وكذلك البحارة.
وتم تحويل العديد من رواياته إلى مسلسلات تلفزيونية لاقت نجاحاً عبر القنوات العربية، أهمها “نهاية رجل شجاع”، و”المصابيح الزرق” التي تصور الحياة في سوريا إبان الاحتلال الفرنسي.
كما حولت روايته الأشهر “الشراع والعاصفة”، والتي تدور أحداثها خلال الحرب العالمية الثانية التي خاضت خلالها سوريا صراعات وشهدت اضطرابات انتهت بنيلها الاستقلال، إلى فيلم سينمائي في 2012.
ويجمع النقاد السوريون والعرب على أن حنا مينة لعب دوراً ريادياً في الرواية السورية والعربية وكان يطلق عليه لقب “شيخ الرواية السورية”.
ونعى الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب حبيب الصايغ الروائي حنا مينة، واصفاً إياه بأنه “أحد رواد القصة والرواية بعد جيل نجيب محفوظ”.
وكان مينة من المساهمين في تأسيس رابطة الكتاب السوريين واتحاد الكتاب العرب في دمشق في خمسينات القرن الماضي، وخاض المعترك السياسي باكراً وناضل ضد الاحتلال الفرنسي لسوريا حتى أربعينيات القرن الماضي، إلا أنه انسحب من السياسية بعد ذلك وكرس وقته للكتابة.
وقال مينة في أحد الأيام: “أنا كاتب الكفاح والفرح الإنسانيين فالكفاح له فرحه، له لذته القصوى، عندما تعرف أنك تمنح حياتك فداء لحيوات الآخرين”.
وحاز مينة على جوائز أدبية عدة من بينها “جائزة نجيب محفوظ للكاتب العربي” من اتحاد كتاب مصر العام 2006، وتخصص وزارة الثقافة السورية جائزة سنوية تحمل اسم حنا مينة.
ومما كُرّم به بعد وفاته أن أطلقت وزارة التربية على أحد المدارس التابعة لها في مرحلة التعليم الأساسي في دمشق اسم حنا مينة، ليبقى اسمه متردداً على مسامع الأجيال السورية المتتابعة كما ضمت مناهج اللغة العربية في سوريا الكثير من مؤلفاته على مر السنوات.
ولطالما قال مينة عن مهنة الكتابة التي شق طريقه إليها عبر حياة اتسمت بالشقاء: “مهنة الكاتب ليست سواراً من ذهب، بل هي أقصر طريق إلى التعاسة الكاملة”.
وكان مينة، خلال سنواته الأخيرة، نشر وصيته التي جاء فيها “عندما ألفظ النفس الأخير، آمل، وأشدد على هذه الكلمة، ألا يذاع خبر موتي في أية وسيلة إعلامية، مقروءة أو مسموعة أو مرئية، فقد كنت بسيطا في حياتي وأرغب أن أكون بسيطا في مماتي”.
وتوفي حنا مينة في الحادي والعشرين من آب 2018 بعد أن نذر حياته للفقراء والبسطاء وهو الذي قال يوماً: “عندما تعرف أنك تمنح حياتك فداء لحيوات الآخرين، هؤلاء الذين قد لا تعرف لبعضهم وجهاً، لكنك تؤمن في أعماقك، أن إنقاذهم من براثن الخوف والمرض والجوع والذل، جدير بأن يضحى في سبيله”.
تلفزيون الخبر