في ذكرى رحيل “منتصب القامة” الشاعر الفلسطيني “سميح القاسم” .. ماحال “قصفة الزيتون” ؟
من فيضِ ما خلّده الشاعر الفلسطيني سميح القاسم “يا شهرَ آبِ ..هَلْ ظَلَّ لي سَفَرٌ على الأهْوالِ؟. هَل مِن مَغربٍ للشَّمسِ؟..لي (جلجامش المسحورِ)..هَلْ مِن مشرقٍ للشَّمسِ؟
مِن شهرِ آب ولشهرِ آب..سافِرْ ليحملَكَ الغيابُ إلى غيابِ..”.
وفي شهر آب من عام 2014 رحل سميح القاسم عن عالمه وعالمنا وعن القضية الفلسطينية التي قارع طويلاً بقلمه لأجلها، تحديداً في التاسع عشر منه لتؤرخ هذه الأيام الذكرى الخامسة لرحيل شاعر آخر من شعراء المقاومة والقضية الأحق.
ولد سميح القاسم في عام 1939 في مدينة الزرقاء في الأردن، بينما تعود أصوله إلى قرية “الرامة” في فلسطين، حيث عاد مع عائلته سنة 1941 إلى فلسطين وقريته، تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة راهبات اللاتين وفي مدرسة الرامة.
ثم تابع دراسته في مدينة الناصرة في كلية “تراسنطة”، ثم في الثانوية البلدية وهكذا يكون سميح قد تابع دراسته في سن التاسعة من عمره إبان الاحتلال “الاسرائيلي” لفلسطين.
ينتمي سميح القاسم لعائلة مثقفة فوالده كان ضابطاً برتبةِ رئيس كابتن يعمل بداخل قوّة حدود شرق الأردن، من أشهر القصص التي حدثت لسميح مع والده أنه عندما كان صغيراً كان يركب مع والده قطاراً أثناء الحرب العالمية الثانية.
كان هذا القطار عائداً إلى فلسطين وأثناء رحلة العودة بكى الطفل سميح فهدده الركاب بالقتل حتى لا تراهم طائرات العدو الألماني ويمنعهم من العودة وهنا قرر أبوه أن يدافع عن ابنه ويظهر سلاحه أمام الركاب.
وعندما كبر سميح وسرد عليه أبوه هذه القصة قال جملته الشهيرة “حسناً لقد حاولوا إخراسي منذ الطفولة سأريهم سأتكلّم متى أشاء وفي أيّ وقت وبأعلى صَوت، لنْ يقوى أحدٌ على إسكاتي”..
جاب سميح القاسم العالم معبراً عن قضيته فهو الذي كان صوت فلسطين وصرخة الفلسطيننين في وجه الكيان الغاصب، مكرساً عمره الذي امتد على 75 عاماً للتعبير بأشعاره وكتاباته عن الوجع الفلسطيني وهو الذي ألف ما يزيد عن الثمانين كتاباً.
حيث قدم العديد من الأعمال التي تنوعت بين الشعر والقصائد، وهو الذي عرف بغزارة الإنتاج الأدبي المتنوع، ومن أهم ما كتبه (قصائد مواكب الشمس، قصائد أغاني الدروب، قصائد دمي على كفِّي، قصائد دخان البراكين، قصائد سقوط الأقنعة، ويكون أن يأتي طائر الرعد).
ومنها أيضاً (قصائد إسكندرون في رحلة الخارج ورحلة الداخل، قصائد عن الموقف والفن، قصائد ديوان سميح القاسم، قصائد قرآن الموت والياسمين، مراثي سميح القاسم)، بالإضافة للعديد من الأعمال الأخرى، وكان ديوان بغض النظر اخر ما أبدعه سميح القاسم عام 2012.
وأشهر ما قام به سميح القاسم تأسيس “صحيفة كل العرب” التي يقوم برئاستها وتحريرها الفخري، مقرراً بذلك ان ينتقل إلى عالم السياسة وبالفعل كان له نشاط سياسي واضح جدا حيث انضم إلى الحزب الشيوعي.
وبسبب أشعاره ونشاطاته السياسية تعرض سميح القاسم للسجن أكثر من مرة، وليس ذلك فقط بل اتخذ كرهينة لأكثر من مرة، وتم اعتقاله بداخل منزله وكذلك حكم عليه بالإقامة الجبرية وتعرض للطرد من عمله أكثر من مرة.
وبالرغم من ذلك لم يتوقف للحظة واستمر، حتى أنه تعرض للقتل أكثر من مرة ولم يبالِ بل ظل متمسكاً بشعره الذي كان فيه يوصل كفاح الفلسطينيين واستشهادهم على أرضهم.
وكان القاسم يشكل مع الشاعر محمود درويش جناحي طائر ووصفا بأنهما شطرا البرتقالة، وفي منتصف الثمانينيات تبادلا رسائل نشرت أسبوعيا ثم جمعت في كتاب “الرسائل” الذي يعد من عيون النثر العربي.
كان القاسم في فلسطين ودرويش في باريس وكتب له في ختام إحدى الرسائل “أرى وجها للحرية محاطا بغصني زيتون… أراه طالعا من حجر. أخوك محمود درويش – باريس 5 أغسطس 1986”.
وخاطبه درويش في قصيدة يقول في بعض سطورها “أما زلت تؤمن أن القصائد أقوى من الطائرات؟ إذن كيف لم يستطع إمرؤ القيس فينا مواجهة المذبحة؟ سؤالي غلط – لأن جروحي صحيحة-ونطقي صحيح-وحبري صحيح – وروحي فضيحة”.
أما كان من حقنا أن نكرس للخيل بعض القصائد قبل انتحار القريحة؟ سؤالي غلط – لأني نمط- وبعد دقائق أشرب نخبي ونخبك من أجل عام سعيد جديد جديد”.
اليوم وقد رحل قاسم ورحل درويش ورحلت ثلّة أخرى ممن اعتنقوا ذات المذاهب النضالية، من شعراء ومفكرين ومناضلين حملوا على عاتقهم هموم البلاد وأنّات أطفالها وتأوهات كهلانها.. يتساءل كثرٌ “هل ثكلت فلسطين ؟.. هل انتهى الليمون وذبلت قصفة الزيتون ؟!”.
روان السيد – تلفزيون الخبر