مسرحية “الريشة البيضاء”.. جسر متعة من الخشبة إلى عقول الأطفال
جميلةٌ جداً لهفة الأطفال في دفاعهم عن الحق ضمن مسرحية “الريشة البيضاء” لمؤلفها ومخرجها “وليد الدبس”، لدرجة أن بعضهم حاول الإمساك بقدم “خربوش.. ناصر الشبلي” لمنعه من تحقيق مآربه الدنيئة والاستئثار بجهد “همَّام.. مؤيد الخراط” الذي خاطر بحياته للحصول على الريشة القادرة على شفاء “الأميرة.. جودي زاقوت” من بُكْمِها.
البناء الدرامي التراكمي ساهم بتعزيز العلاقة مع جمهور الأطفال بحيوية عالية، وتتابع منطقي وجمالي، منذ الافتتاح بأغنية “قرُّود” الذي جسَّدته بحيوية الفنانة “سيرينا محمد” وعلاقته المُحببة مع الموز، ومع صديقه “همّام” ومساعدته له في جمع الحطب، واختراقهم كراسي الصالة عبر جسر كامتداد لخشبة المسرح بغية مزيد من التفاعل مع الأطفال.
تلقائية مُبهرة اشتغل عليها المخرج “الدبس” جعلت أفعال شخصيات العرض الداعية للنشاط والعمل، والإيثار، ومحبة الآخر والطبيعة، وغيرها من مقولات تمرّ من دون تلقينية، بل حملتها الشخصيات بعفوية وسلاسة، فالنص يوصل القيمة بأفعال أصحابها ويدفع للإعراض عن السلبي منها بالطريقة ذاتها.
يضاف إلى ذلك الأداء الراقي للممثلين، وجماليات تقمُّص حركات وأصوات وطباع الشخصيات الحيوانية، ما خلق تفاعلاً بطريقة مضمرة، ليصبح “الديك” (جسّده الفنان باسم عيسى) حامل بشائر الخير للملكة والأميرةً، و”الدب” (أدَّاه الفنان فادي الحموي) المُدافع عن الصداقة الحقَّة وأهمية العمل والرافض للغش، و”قرُّود” السَّاعي لنُصرة الخير والتحفيز على فعله.
على الصعيد الآخر يقع “خربوش” الذي لم يحمل في مضمونه شرَّاً كبيراً، لكنه كسول وغشَّاش، وجاءت جماليات أداء “الشبلي” لتُغني تعاطف الأطفال مع الشخصيات الخيِّرة، وأبرزت أهمية تواشج الصداقات والوفاء التي تجلت بأعلى معانيها عندما يُعلن الحطّاب “همّام” أن غرضه من الحصول على الريشة البيضاء هو شفاء “الأميرة” على عكس “خربوش” الذي أغرته المكافأة المالية.
وبلغت الدَّناءة بـ”خربوش” للاختباء فترة ثم سرقة جهد الحطّاب والادعاء بأنه تخطى الصعاب من أجل الحصول على علاج ابنة الملكة، لكن أمره انكشف بعد وقوف أصدقاء “همَّام” إلى جانبه وتأكيد “حارس الغابة.. ميار الدبس” للحقيقة التي عادت إلى مجراها، وتوِّج ذلك بزواج الحطاب من الأميرة التي علا صوتها بالغناء بعد أن اكتفت بالعزف على القيثارة تعبيراً عن مكنوناتها.
ساهم في نجاح هذا العرض تصميم الديكور للمبدع “محمد وحيد قزق” الذي وضع شاشتي عرض في منتصف الخشبة وكانتا كفيلتان مع إضاءة “بسام حميدي” بوضع الأطفال في مناخات ساحرة لتلك المملكة العابقة بالجَمال، ولا تلبث الشاشتان أن تتحولا إلى منصة خيال الظل لمزيد من المتعة والتحريض البصري.
يحسب لـ”قزق” أيضاً تصميمه للجسر الذي شهد حركة دؤوبة للممثلين كتعبير عن أن هذا العرض بحاجة ماسة لجمهوره ليكتمل، إضافة إلى مساهمته في كتابة أغنيات المسرحية (أدّاها الفنان مأمون الفرخ من ألحان أيمن زرقان) التي كانت مندغمة مع سيرورة النص، حيث لم تكن بمنزلة فواصل ترفيهية، بقدر ما جاءت مُعزِّزة لتنامي الحدث الدرامي، وفي الوقت ذاته مُحرِّضة لتفاعل الأطفال معها.
لعبت أيضاً الأزياء التي صممتها “سهى علي” دوراً في تعزيز الدهشة، إلى جانب ماكياج “نور الخطيب” المميز، فضلاً عن جماليات الحضور الجميل للبجعات وفي مقدمتهم الرهيفة “رباب كنعان”، لنصل في النهاية إلى عرض على بساطة مفرداته إلا أنه متكامل بوعي كل مُبدع لمُهمَّته في تكريس الجَمال وتحريك وعي الأطفال باتجاه الدفاع عن الخير.
بديع صنيج- تلفزيون الخبر