كيف سخرت الفنانة السورية “لجينة الأصيل” تجربتها الفنية للطفل والطفولة؟
“لم أختر رسوم الأطفال إنما هي التي اختارتني” .. عبارة بدأت بها الفنانة السورية لجينة الأصيل حديثها لتلفزيون الخبر عن رحلتها مع رسومات الأطفال منذ القرن الماضي”.
الفنانة السورية الحائزة على إجازة في الفنون الجميلة – عمارة داخلية، من جامعة دمشق في عام 1969، والخبيرة الفنية في مديرية ثقافة الطفل – وزارة الثقافة السورية، روت لتلفزيون الخبر مفاصل مهمة من مسيرتها في عالم الطفولة.
ومما قالته الأصيل: “خلال فترات طويلة من عملي في مجال الأطفال والإعلان وفي مجال أغلفة الكتب كنت أحاول أن أترك الجميع وأتخصص بفن اللوحة التشكيلية لأحقق مكانة في ركب الفنانين التشكيليين السوريين”.
وتابعت “بعد انقطاعي حوالي عشر سنوات عن الرسوم الإعلانية والرسوم المتحركة وكل ما هو ممكن أن يشغلني عن اللوحة، وجدت نفسي أعود للرسم للأطفال، وذلك بعد زياراتي لعدة معارض عالمية”.
“شاهدت في هذه المعارض لوحات فنية متطورة قمة في الحداثة والتطوير والتكنيك، نحن في البلاد العربية كنا متوجهين في كتب الأطفال لأن تكون كالشرائط المصوّرة لأن الفنون الطباعية في بلادنا غير متطورة بشكل كافٍ، ولم يصلنا أي شيء من الفنون الحديثة المتطورة”، تردف الأصيل.
ولأن لكل مرحلة عمرية خصوصيتها، توضح الأصيل أنه “من الضروري في هذا المجال مراعاة هذا الجانب لدى الطفل، فعندما يفتح الطفل في مراحله الأولى كتابه وهو لا يعرف القراءة يعتبر نفسه أنه قرأ بمجرد قرب الصورة من مداركه”.
وأردفت “فكل الكلمات التي يجب أن تكون مكتوبة ويقرأها الطفل يجب أن يراها من خلال صورة صريحة وعفوية بما ينقل الفكرة له دون تعقيد”.
وأضافت الأصيل “هذه المرحلة بحاجة أيضاً إلى علاقة خاصة مع الطفل وأسلوب تفكير مختلف بحسب مراحل الأطفال العمرية، وتجب أيضاً مراعاة خصوصية النص في أي عصر ومكان، لهذا يجب أن تكون ثقافة الفنان كبيرة”.
“فعلى فنان الأطفال أن يكون ذو ثقافة عالية، وأن يكون شغوفاً بشدة وصبوراً، فالشغف والصبر أساس تحقيق عمل فني متميز موجه للطفل”، بحسب ما نصحت به الفنانة السورية المقبلين على هذا الجانب الفني.
وعلى اعتبار أن الإنسان وليد تجاربه، تقول الأصيل: “لاشك أن النص الذي يلامس شيء ما مر به الفنان سيكون تأثيره أقوى على الطفل، فعندما يأتيني نص له علاقة بحالة عشتها يكون تعبيري عن نصها من خلال الرسم أقوى جداً من تعبيري في نص لم أمر بحالته على الصعيد الشخصي”.
واستشهدت على ذلك بأدائها لرسومات إحدى الكتب التي جاءتها عن الطلاق وانعكاسه على الأطفال بأنها عايشت الرسومات تماماً لمرورها في طفولتها بحالة مشابهة عندما انفصل والداها.
وتابعت الفنانة “شعرت أن القصة كُتِبت لي وكنت مستمتعة جداً بأدائها لأني أوصلت من خلال الرسومات كل المشاعر التي كنت أشعر بها في طفولتي، ومازالت كلما تخطر على ذهني أعود إلى هناك، كان الكتاب معبر ويحكي قصة طفل شرد بين والديه”.
كتاب آخر تماهت الأصيل معه ومع ما يرويه عن مرض السرطان الذي أصيبت هي به، فكان ذلك دافعاً لأن يخرج بأداء فني أقرب إلى الطفل الذي تعرض لهذا المرض الخبيث بما يعاكس نقاءه.
فكانت تجربتها الفنية لكتاب الطفل “لن أستسلم أبداً” لتشارك الفنانة الأطفال وجعهم وتدعوهم لعدم الاستسلام، حيث وظفت ذلك من خلال لوحات صادقة وعفوية.
من جهة أخرى وحالات أُخر تحدثت الأصيل عن الفن في زمن الحرب في سوريا بالقول: إن “الحرب كانت حالة مستقطعة من حياتنا مرت على الجميع وأثرت في كافة مجالات الحياة، وما حدث معها أنها نقلت هذا الأثر على نفسها في كل القصص”.
وأردفت أن “التعبير في رسومي صار أقوى وأكثر شفافية، فالحرب تركت ندوباً كانت موجعة وأضافت لنا الكثير من القوة التي تفيد أي إنسان وفنان”.
وترى الأصيل أن “الطفل ذكي ولديه القدرة على التمييز بين العمل الصادق والعمل المزيف، فمعارف الطفل مهما كان صغيراً لا تقل شأناً عن معارف الكبار، إضافة إلى أن الأدوات التي بات يستعملها الطفل بكل طلاقة وبساطة توسع مداركه”.
ولفتت إلى أن “دور الكبار هنا يأتي بأن يعوّده على الأعمال الجيدة ليستطيع تمييز الجيد من الغث، ليكتسبوا سوية بصرية سليمة وتنمو بالتالي ثقافتهم بصرياً”.
ولتوجيه الطفل في حال كان لديه بدايات موهبة للرسم، نصحت الأصيل بترك الحرية الكاملة له كي يتخيل فيجب الحرص على تحريض خياله منذ الطفولة المبكرة كي يستطيع أن يخترع أساليب جديدة في كل مجالات الحياة منذ سنواته الأولى.
وكانت الأصيل صممت ورسمت أكثر من 70 كتاباً للأطفال صدرت عن دور نشر سورية وعربية وترجم منها للفارسية والتركية والإيطالية والفرنسية، وأشرفت فنياً على عدد من مجلات الأطفال في سوريا، لبنان، الكويت، السعودية.
وشاركت في العديد من لجان التحكيم والندوات والمعارض الدولية والعربية، وأشرفت على العديد من ورشات العمل المتخصصة في رسوم كتب الأطفال في كل من سورية، لبنان، الأردن، الكويت، الشارقة، قطر، تونس، إيطاليا.
وعن تكريماتها، نالت الفنانة السورية لجينة الأصيل العديد من الجوائز من دول متعددة منها فرنسا، مصر، اليابان، لبنان، الشارقة، سلوفاكيا، ودعيت كضيفة شرف في معرض بولونيا لكتب الأطفال – إيطاليا 2001.
وتلقت تكريماً من وزارة الثقافة السورية كفنانة تشكيلية، ولجهودها في مجال كتاب وصحافة الطفل، كما حازت جائزة محمود كحيل لإنجازات العمر- الجامعة الأميركية، لبنان 2015، إضافة إلى تكريم من وزارة الثقافة السورية لإنجازات العمر 2017، وجائزة الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط – بلغراد (PAM) للمساهمة من خلال عملها الفني بإقامة جسور بين شعوب المنطقة.
وختمت الفنانة السورية بالقول: إن “أروع التكريمات التي تشعر بقيمتها المعنوية تكمن من خلال الشباب والشابات ممن كانوا يشاركون في الورشات التي تقيمها ويعملون الآن مع دور نشر سورية وعربية”.
وأردفت أنه “يجب أن نمنح الجيل الشاب النقطة الأخيرة التي وصلنا لها ليكمل المسيرة متفادياً أخطاء من سبقوه، كي يتمكن من البدء على الطريق السليم، ما يفيد ويدعم الحركة الثقافية الفنية في سوريا”.
روان السيد – تلفزيون الخبر