وليد الدبس: “مسرح الطفل” يحتاج ذكاء في التعاطي مع عقول أسرتها التكنولوجيا
لمسرح الطفل خصوصية تفرضها طبيعة المتلقي الذي يرى تجسيد الحكاية بصورة أشخاص حقيقين يمثلون أبطاله والخير والشر في مخيلته، يتوجهون إليه مستهدفين عقله ولغته والتشكيلات الأولى للقيم لديه.
ومع غزو التكنولوجيا الحديثة مفاصل الحياة لم يعد المسرح الموجه للطفل مغرياً بالقدر الكافي، في مقابل “متعة” متوافرة في كل لحظة بالنسبة له، وهذا ما يفرض إيجاد طرق جديدة تشد هذا المشاهد الصغير دون أن تستغبيه أو تصيبه بالملل.
وعن واقع مسرح الطفل في سوريا، تحدث المخرج المسرحي وليد الدبس لتلفزيون الخبر: “هيمنت التكنولوجيا والتقنيات على أذهان أطفالنا بشكل كبير في السنوات الأخيرة، منها ما هو مفيد ومنها ما هو كارثي”.
وتابع المخرج: “من هنا عملت كمؤلف وممثل ومخرج في مسرح الطفل، من أجل البحث عن صيغة أدبية مختلفة وغنية وممتعة لخلق نص مسرحي للأطفال، قادر على أن يكون حاضرا بقوة على خشبة المسرح”.
وأضاف الدبس: “كان الجهد على صعيد اللغة والصراع المفرود بين أسطر النص المسرحي الموجه للأطفال بكل مفرداته وما يحمله من أحداث غنية، والتي تجسد الصراع الأزلي بين الخير والشر وإيجاد حلول إخراجية تعتمد على حركة الصورة الجمالية الممزوجة باللون المفعم بالحيوية”.
وأردف الدبس “كما أنني أعتمد على أداء الممثل الصعب والمتعب، الذي يعتمد بشكل رئيسي على الخفة في الحركة والرشاقة في تجسيد اللحظة، ضمن هذا الفراغ المدروس بعناية ودقة على خشبة المسرح، من أجل جذب الطفل والتفوق على كل تلك التكنولوجيا التي خطفته منا لنقول له هنا تكمن الحياة بكل ما فيها من جمال”.
واكمل المخرج من المعروف أن الطفل يمتلك بالفطرة ثقافة خيال كبيرة وواسعة وغنية، وعلى العامل في مسرح الطفل، أن يجاري هذه الثقافة، بحيث يعمل على خلقها وتجسيدها على خشبة المسرح، إن كان على صعيد الديكور أو الإضاءة أو الازياء أو طريقة أداء الممثلين”.
ونصح المخرج من لا يحترم ذهنية الطفل ،”بعدم الاقتراب من مسرح الطفل، لأنه سوف يسقط، وهذه المسألة يجب أن تكون أولوية لديه منذ كتابة النص”.
أما بالنسبة للرسائل التي يحملها عرض مسرح الاطفال أوضح الدبس أنه ” لا يجب أن يكون لها حد معين أو شكل محدد، ففي كل حدث على الخشبة، وفي كل جملة تقال، وفي كل حركة أو لون أو صورة هناك رسالة”.
قائلاً: ” شخصياً أعتبر مسرح الطفل منظومة معقدة وصعبة جدا، من الرسائل والقيم الخلاقة تطرح على الخشبة بذكاء ووعي، وإدراك بكل عناصر العرض المسرحي، لأنني أؤمن تماماً أن طفلنا مفعم بالوعي والذكاء والفطنة”.
وأشار المخرج إلى أن ” علينا من خلال مسرح الطفل أن نطور عقله ونضعه أمام حقائق جديدة، بحيث نجعل من القيم الخلاقة والإنسانية ثقافة لطفلنا لتكون حاضرة دائما في حياته”.
مشددا على أهمية “الشكل الأدبي للنص، الذي يحمل هذه القيم الخلاقة والتي يؤكد عليها بشكل عفوي وسلسل، والابتعاد عن اللغة التعليمية القسرية والمملة والمقيتة للطفل بحيث يتابعنا بشغف، ويقتنع تماما أننا نحترمه ونعرف أنه ذكي، وحاضر وشريك اساسي في طريقة تفكيرنا عند طرحنا لكل تفصيل من تفاصيل البعد الفكري والإنساني والأخلاقي الذي نريد إيصاله إليه”.
وتابع المخرج “عندها يحترمنا ويقدر ما نريد أن نمنحه إياه من قيم، ويصبح أفضل متلقي وصديق ومحب لنا”.
وحول وصول أعمال سيئة النص والأداء والقيمة إلى بعض المسارح العريقة في سوريا، قال الدبس إن “هناك كم من العروض السخيفة وغير الجيدة بكل ظروفها، لكنها تعرض على خشبات المسرح للأسف هذا، ونحن نضع السؤال برسم المسؤول عن حضور هذا العرض على خشبة المسرح”.
وأشار الدبس إلى أنه ” يجب عدم نسيان أن الطفل صفحة بيضاء، وهذه الصفحة تلتقط كل ما يملى عليها من معلومات وأفكار وأشكال وحالات وسلوكيات، والمسرح فرصة لتقل المتعة والفائدة وتلقين الجمال في الحركة والموسيقا”.
ورغم توجه بعض الأهالي إلى مسرح الطفل وإدخاله كنشاط في حياته، تبقى الحركة المسرحية المخصصة للأطفال ضعيفة وغير مفعلة، وتتطلب مزيدا من الجهود لتصبح ثقافة لدى الأهالي لا تقتصر على عرض واحد في العام، إضافة إلى جهود القائمين على هذا النوع من العروض في سوريا.
يذكر أنه يعرض على خشبة مسرح القباني خلال عيد الأضحى مسرحية بعنوان “الريشة البيضاء”، من تأليف وإخراج وليد الدبس، وتجسد الصراع الحقيقي بين الخير والشر، والقبح والجمال، والصدق والكذب، وبين الحقيقة والوهم بين الإنسان والإنسان، حسب المخرج.
رنا سليمان _ تلفزيون الخبر