“حنّا دياب”.. الحلبي الذي أكمل الليالي الناقصة في “ألف ليلة وليلة” بحكايات “علي بابا” و”علاء الدين”
للمرة الثانية تقوم “ديزني” بإنتاج فيلم “علاء الدين والمصباح السحري”، الذي صور مؤخرا في الأردن وعرض على شاشات السينما ابتداء من شهر أيار الفائت.
وبعيداً عن اللغط الذي أثاره العرض بسبب تحريف النسخة التي تم عرضها عام 1992، تبرز قضية أخرى عن أصل الحكاية الشهيرة والتي أكدت مصادر عدة مؤخراً أنها تعود لتراث بلاد الشام رويت على لسان شخص حلبي زار فرنسا مطلع القرن الثامن عشر.
تشير المصادر إلى أن اسمه الكامل ” أنطون يوسف حنّا دياب”، وكان في السبعين من عمره حين أخذ في تدوين رحلة شبابه بصحبة سائح فرنسي “ملكي” يدعى “بول لوكا”، من حلب إلى باريس التي يسميها في مذكراته “بهريس”.
وبمزيج من العامية والفصحى، مع غلبة للأولى كتب حنّا رحلته في مخطوطة ظلت محتجبة زهاء قرنين ونصف، حتى قام قس حلبي بإهدائها إلى مكتبة الفاتيكان عام 1926، وحُفظت فيه حتى تم اكتشافها في تسعينات القرن الماضي.
وفي عام 2015 قامت دار “أكت سود”، بنشر ترجمة المخطوطة الفرنسية، ونشرت دار الجمل النص العربي الوسيط بين العامية والفصحى دون التدخل إملائياً على أسلوب حنّا العشوائي، الذي كان ينوع في طريقة كتابة الكلمة الواحدة.
رافق حنّا السائح الفرنسي لوكا كترجمان، حيث كان ملماً بقدر من الفرنسية والإيطالية إضافة إلى العربية والتركية، ووعده في المقابل بوظيفة في خزانة الكتب العربية في باريس.
وأثار حنّا الذي وصل البلاط الملكي حاملاً قفصاً فيه “جرابيع” غريبة على الفرنسيين، بشواربه ولباسه المشرقي تعجّب أهل البلاط، وشفعت له غرابته وخفة ظله، مرتين حين خالف البرتوكول الملكي.
فأثناء تجواله على أميرات البلاط قالت إحداهن ” تعالوا تفرجوا على سيف المسلم”، وكانوا يعتقدون بأنه مسلم بسبب لباسه المشابه للباس المسلمين، فأجاب حنّا: هذا سكين وليس سيفاً، وكان الدخول على البلاط بسكين يفيد نية الغدر.
انبهر حنّا بمعلمه بول لوكا، فوصفه بأنه “عنده من كل علم خبرة، الطب والفلك والهندسة والفلسفة والجواهر”، ومع ذلك لم يأت لوكا على مدار مجلداته الثلاثة عن رحلاته المشرقية على ذكر حنّا.
أما الذي أنصف الترجمان الحلبي فهو المستشرق أنطوان جالان، الذي تعرف بواسطة لوكا على حنّا في باريس، وجالان هو أول من ترجم كتاب “ألف ليلة وليلة” إلى لغة أوروبية.
ويذكر حنّا في مخطوطه أن “جالان كان يستعين به لأجل بعض قضايا ما كان يفهمها”، وأن المخطوطة التي كان يترجمها جالان “كانت ناقصة كم ليلة”، فأكملها حنّا مما في جعبته من حكايا.
وبحسب ما أشارت باحثة في جامعة “ساو باولو” فإن الحكايات التي رواها حنّا لجالان لتضمينها في كتاب “ألف ليلة وليلة”، لم يكن لها وجود إطلاقاً في أي مخطوط أصلي للكتاب، خصوصاً بالنسبة لحكايتي “علاء الدين والمصباح السحري”، و”علي بابا والأربعون حرامي”.
ولم يخفِ جالان أن التراث السردي الشفهي لحكواتية بلاد الشام، الذي وصله على لسان حنّا دياب، والذي كان يصفه “بالماروني الدمشقي”، كانت مصدراً لبعض حكايات الكتاب الشهير.
ونقلت مصادر عن جالان قوله في عام 1701 إن “السيد حنّا استقدم بعض الحكايات العربية الجميلة جداً، ووعدني بكتابتها وإبلاغي إياها”.
ويذكر جالان القصص التي رواها الماروني الحلبي “قصّ عليّ حكاية المصباح وحكاية عربية عن ابني عمومة، قمر الدين وبدر البدور” مع قيامه بتعديل بعض ما نقله حنّا، ف “علي بابا” كان “خوجا بابا”، علي سبيل المثال.
وفي مخطوطه يقارن دياب بين “بهريس” وحلب ، ويعبر عن إعجابه بالعاصمة الفرنسية المضاءة بنظام فريد من الشموع في الليل، والتي يلتزم فيها كل صاحب منزل بأن يكنس أمام منزله في الصباح.
وتحدث دياب عن مستشفياتها وأديرتها، واحتفالاتها الدينية، وبعض التجار الأرمن المقيمين فيها، وأوجز عن مسارحها والكوميديا التي كان يكتبها “كوميديه”، وهي “شبه “خيال البزار عندنا”، وفيها الملاعيب ويسمى صاحبها “أركلين” أي (أرلوكان)، مثل عيواظ وقرى كور”.
كما ذكر حيثيات عودته إلى حلب، بعد أن تنازع على استتباعه معلمه لوكا، والمستشرق جالان، حيث عاد أدراجه من باريس وزاول التجارة وكون أسرة من اثني عشر ابناً وابنة، ولم يفكر بالعودة ثانية إلى “بهريس”.
يذكر أن عمر حنّا دياب حين قام برحلته المذكورة لم يكن يتجاوز العشرين، وبدأ بكتابة مذكراته المحفوظة في الفاتيكان بعمر السبعين.
رنا سليمان- تلفزيون الخبر