ورَّاق دمشق “صلاح صلوحة” يترك كتبه ويرحل
غادرنا يوم السبت “صلاح صلوحة” المُلقَّب بـ”ورَّاق دمشق” عن عمر ناهز السبعين عاماً تاركاً وراءه ابتسامته، وثقافته الرهيفة، وجماليات تعامله مع الكتب والقرّاء، بعدما ترك، مُرغماً، مستودع كتبه في حي الحجر الأسود.
كان “صلوحة” صديق القراء أينما حلّ، ولعل انتقاله صغيراً من بيع الحلويات مع والده، إلى الاهتمام بالكتب والمجلات والوثائق النادرة، ترك حلاوةً في روحه، نقلها إلى كل هواة القراءة، والباحثين عن المعرفة، وسائليه عن مفاتيحها.
تهجيره من الحجر الأسود أجبره على الانتهاء إلى بسطة متواضعة تحت جسر الرئيس كما بدأ، في إصرار على رفقة الكتب والمجلات القديمة المحتجبة والمعاجم، والمحافظة على أرواحها وإزالة آثار الزمن عنها.
علاقة “صلوحة” (مواليد دمشق 1948) مع المجلات بدأت باكراً، إذ كان والده صاحب عربة لبيع الحلوى يرسله لشراء المجلات المستعملة للفّ الهريسة، لكنه في أوقات الاستراحة ينكبّ على قراءة هذه المجلات، إلى أن أصبح موزعاً لمنشورات «دار الصياد» البيروتية.
ومع اشتعال الحرب الأهلية في لبنان، عاد إلى دمشق مرّة أخرى، مستعيداً علاقته مع الكتب والمجلات القديمة، بالإضافة إلى صداقات عميقة مع معظم مثقفي دمشق ممن يفتشون عن نفائس الكتب المفقودة.
سافر “وراق دمشق” إلى مصر وعمل ببيع الكتب فيها، ومنها إلى تونس فالمغرب وإسبانيا، ليعود إلى دمشق مؤسساً واحداً من أكبر مستودعات الكتب (أكثر من عشرة آلاف كتاب) ضمن مساحة تزيد عن الثلاثمائة متر مربع مما لذَّ وطاب وندر من المجلدات والمجلات والمعاجم والكتب والوثائق النادرة.
وكان “صلوحة” كما صرَّح أكثر من مرة يتوق لأن يكون لديه “مال هارون” و”صبر أيوب” و”عمر نوح” ليكمل رحلته الممتعة مع الكتاب، لكن الحرب وما سمعه عن قرارات المحافظة الجائرة بحق مكتبات الأرصفة وتعب الروح كانت أقوى من تحقيق حلمه.
إلى جانب بيع الكتب شارك “صلوحة” ضمن فيلم “الليل” للمخرج السوري محمد ملص، كما عمل في أكثر من عمل تلفزيوني، وساهم في أكثر من معرض للتوثيق الوطني، كما له مجموعة من المقالات في بعض الصحف المحلية.
بديع صنيج- تلفزيون الخبر