أن تحلم بلغة أجنبية.. “الحلم كبير لكن اللسان ضيّق”!
يقولون: “حين تبدأ الحلم باللغة التي تتعلمها يعني أنك بدأت باكتسابها”، لكن الوصول إلى هذا النوع من الأحلام ليس يسيراً البتة، بل ربما يكون الطريق إليه مفروشاً بكوابيس حقيقية أقل ما يُقال عنها بأنها شائكة ومليئة بالعقبات.
الشاعرة “نادين باخص” شاركت تلفزيون الخبر تجربتها بالقول: “حين وصلت إلى كيبيك، المقاطعة الفرنسية في كندا، لم أكن أعرف من الفرنسية سوى الأبجدية التي تعلمتها في طفولتي، وكذلك بعض كلمات علمتني إياها أمي مثل savon وje t’aime وكلمات ضبابية التقطتها من الأغاني التي لطالما أحببت سماعها.
تضيف باخص: ولد ابني بعد وصولي بشهر، ما أعاقني عن المباشرة بتعلم الفرنسية. دخلت بعدها بشهور ستة مدرسة اللغة. لكن لم أستطع الدراسة لأكثر من شهرين بسبب مرض ابني المتكرر. لزمت البيت بعدها حوالي شهور عشر إلى حين بات أكبر.
تقول صاحبة “أخفي الأنوثة”: في شهر آب ٢٠١٨ كانت البداية الفعلية مع مدام “مارتين” التي تكره سماع حرف غير فرنسي في صفها، كانت كثيرة الكلام، ولا أغالي إن قلت الثرثرة، لأنها كانت تكثر من الكلام وكأنها تفترض أننا نتقن اللغة ولسنا مجرد طلاب مستوى ثاني.
وتتابع: بعد أيام قليلة بدأ صوت مدام مارتين يتغلغل في تلافيف دماغي بشكل بتُّ معه لا أستطيع النوم من شدة ارتفاعه في رأسي، فطوال الليل كانت الكلمات والجمل الفرنسية تلازم نومي بصوت مدام مارتين حصراً، وكثيراً ما استيقظت وأنا مندهشة من الحلم الذي رأيته بالفرنسية، وكيف استطاع عقلي تركيب كل هذا الكلام في حين يصعب علي في الواقع تركيب ثلاث جمل بهذه السلاسة.
تقول نادين: كإنسانة لم تجد شيئاً في حياتها أكثر من الكتابة والاشتغال باللغة ومعها، لطالما شعرت بالاختناق فيما ألتقي أجانب وأكون مطالبة بالحديث عن نفسي أو مناقشة مواضيع، أنا التي لا تجيد إلا اللغة أتحوّل إلى طفلة تتأتئ بين حرف وحرف، وتطلب من الشخص المقابل أن يصحح لها ما تقول، وتركز في قواعد الكلام تاركة عمق الفكرة التي تريد إيصالها لتكتفي بقول جمل بسيطة لا تفي الفكرة عمقها.
وتأمل صاحبة “وانتهت بنقطة” أنه ربما يحدث وتتمكن من التعبير العميق عن أفكارها بما يرضي إحساسها بوجودها، قائلةً: لكن ما أنا متأكدة منه أنني بعد شهور ثمانية من دراسة الفرنسية أقدر على فعل هذا من خلال ما أراه من أحلام، وبالمناسبة، حالتي على واتس أب منذ شهور هي: Le rêve est grand mais la langue est limitée وتعني “الحلم كبير لكن اللسان ضيّق”.
الصحفي جواد ديوب قال لتلفزيون الخبر: لزمني، أنا الغريب بعينيَّ المدهوشتين من كل شيء حولي في مدينة إدنبرا الاسكتلندية، الكثير من الكوابيس المعجونة بالخيبات، والتلعثم، وسنةٌ كاملة من الإرهاق والصبر، وتأمّل عيون الناس، كي تتمكن أحلامي من زيارتي ليلاً بكامل التلقائية التي يحلم بها مواطنٌ اسكتلنديّ أصيل.
وأضاف: يومها لم أعد في حاجة لقواميس اللغة السميكة، وأوراق الملاحظات التي أعلّقها على اللوح فوق رأسي، ودفتر الذكريات الذي أكتب فيه باللغة العربية… بل أصبحتُ أخوض في الحلم نقاشاتٍ متداخلة ومطعّمة ببعض الكلمات العربية كما أنني أناقشُ أحداً من أصدقاء لغتي الأم الحميمين.
الطرافة كما يقول “ديوب”: غالباً ما كنت أستيقظ وما تزال بعض المفردات الإنكليزية عالقة على أهدابي مثل ظلال النومِ القلق، أستعيدها وأحاول البحث عنها في القاموس، لأكتشف أن لا معنى لها، أو لا وجود لها أصلاً، وكأنني أنا من اخترعها وأظهرها للوجود.
ويضيف: وفي مرات كثيرة كنت أتفاجأ بأن ما أسمعه من أفواه الناس في الشارع رغم لهجتهم الاسكتلندية الصعبة كنت قد قرأته للتوّ في القاموس، حينها أتحوّل كما لو أنني جامعُ كلماتٍ/ فراشاتٍ ألتقطها من هنا وهناك وأستمتع بها وأعيدها في أحلامي على مهلي وكما أشاء.
الصحفي والشاعر “عمر الشيخ” أوضح لتلفزيون الخبر أن أحلامه الواقعية اندغمت بمناماته، فمنذ عام 2008 كان يحلم بالسفر إلى قبرص، ليعيش فيها ويكتب ويترجم عن اليونانية حصراً، وذلك بعد قراءة رواية “زوربا” لنيكوس كزنتزاكيس، إلى جانب عشرات النصوص للشاعر اليوناني “يانيس ريتسوس”.
يقول الشيخ: شاءت الظروف أن أذهب عام أواخر 2015 إلى قبرص للاطلاع على اللغة اليونانية وتعلمها، ولكون لغة الشارع صعبة للغاية، فكانت المنامات تأتيني عن عذاباتي في تعلم الكلمات طويلة والأحرف الجديدة، إلا أنني بعد دراسة المستوى الثاني في جامعة قبرص قررت مواجهة كوابيسي والإكمال دون توقف.
وبين الأحلام والكوابيس بات صاحب “مباشر من جزيرة المونتاج” في المستوى الرابع في تعلم اليونانية من أصل سبعة أساسية، سيكملها ليتابع بعدها دراسة الأدب اليوناني بلغته الأم، قائلاً: أنا حلمت باللغة اليونانية لأنقل ترجمةً تجربة جزيرة قبرص من شعر خصوصاً وآداب وتاريخ عموماً، إلى اللغة العربية، وهذا ما أسعى إليه حالياً بمختارات من الشعر الجديد القبرصي، وسأستمر.
الصحفي “فراس هكار” كانت أحلامه المتعلقة باللغة في بلجيكا تصب في وجود ثلاث لغات رسمية للمملكة وهي: الهولندية، الفرنسية، والألمانية، إلى جانب الإنكليزية التي يتكلمها الجميع، وكانت كوابيسه تتمحور حول الانتقال من إقليم إلى آخر، فحينها تعود “معضلة اللغة” كما يسميها للبروز إلى واجهة حياته.
يقول فراس: تبقى اللغة هي جسر العبور إلى كل شيء هنا، بدءاً من شراء كيس الخبز، وصولاً إلى الحصول على عمل جيد، وكلما كانت لغتك أفضل كلما كان نصيبك في الحصول على عمل أفضل، أكبر، كما أنها أهم وسائل الاندماج في المجتمع.
ويضيف: كابوس آخر يتجلى في اللهجات المحكية التي تختلف عن الفصحى التي نتعلمها في المدارس، ومن يودون الانخراط في سوق العمل قبل إتمام كامل مستويات اللغة عليهم تعلم اللهجة المحكية ولذا يتهرب الكثيرون من تعلم اللغة، أو إتقانها، لذا تجد أن بعض العرب يذهبون للسكن في الأحياء ذات الكثافة السكانية العربية كي يتجنبوا معضلة اللغة، وآخرون يقبلون بأية أعمال كي يتخلصوا من عبء تعلمها.
بديع صنيج- تلفزيون الخبر