في الذكرى العشرين لرحيل فاتح المدرس.. “مشكاة” من فن وموسيقى وحب أضاءها محبوه لثلاثة أيام
صادف 28 حزيران 2019، الذكرى العشرين لرحيل الرائد التشكيلي السوري “فاتح المدرس”، وبهذه المناسبة أقام مجموعة من تلامذته وأصدقائه ومحبيه فعالية تضيء على حياة الراحل، لثلاثة أيام متتالية في مكانين منفصلين.
انطلقت الفعالية من مرسم فاتح المدرس في ساحة النجمة بدمشق، حيث عرضت 43 من أعماله ما بين لوحة ودراسة، وفي اليوم التالي انتقلت الفعالية إلى غاليري “مصطفى علي” حيث عرض فيلم وثائقي عن حياة المدرس، يعود للعام 1995، من إخراج عمر أميرلاي ومحمد ملص وأسامة محمد، يتحدث فيه الفنان شخصيا عن تجربته التشكيلية وبعض الملامح الإنسانية في شخصيته.
ويكشف الفيلم الذي تبلغ مدته 50 دقيقة، الكثير عن الأبعاد الخفية عن شخصية فاتح المدرس، وبعد عرضه عقدت جلسة حوار مع المخرج محمد ملص، ثم مع الفنان إلياس الزيات، الصديق المقرب للمدرس.
في ثالث أيام الفعالية، عرض لقاء تلفزيوني نادر يعود لعام 1987، في برنامج العرب والموسيقى، تحاكي فيه أنغام آلة القانون التي يعزفها “سعد الله إغا القلعة”، مقدم البرنامج أنذاك، ريشة المدرس، في محاولة لاستكشاف العلاقة بين الموسيقى والتشكيل.
تلا عرض الحلقة، حوار مع الدكتور سعد الله آغا القلعة، تبعته وقفة نقدية حول أهمية عمل فاتح المدرس، وما الذي قدمه للفن التشكيلي مع الباحث الدكتور طلال معلا.
وشهدت الفعالية بأيامها الثلاثة حضورا لافتا، لم يقتصر على أهل الفن التشكيلي، بل شمل فنانين ومخرجين وسينمائيين، إضافة لطلاب كلية الفنون الجميلة وأصدقاء الفنان الراحل.
وفي ثاني أيام الفعالية، أشار المخرج محمد ملص في حواره إلى “عدم وجود فيلم وثائقي قادر على استيعاب هكذا قامة فنية”، منوها إلى وجود ” تقاعس في إنجاز أفلام وثائقية تتناول حياة وإنجازات القامات التي تزخر بها سوريا، رغم وجود طاقات سينمائية شابة”.
وعقب بالقول “لم يعد تحقيق فيلم أمرا سهلا، والحالة أشبه بكارثة، فكثير من القامات قد تختفي وترحل دون أن تكون السينما الوثائقية أضاءت عليها، وهي الأكثر صدقا في توثيق حياتهم حيث تأتي على ألسنتهم ومع نقل انطباعاتهم الحقيقية”.
بدوره وصف عميد التشكيليين السوريين “إلياس الزيات”، فن المدرس بأنه “تصوير الغناء وتجسيد الخير والشر والحب والألم، والجدل الذي يسكن العقل”.
واستذكر الزيات إجابة المدرس على سؤال يطرحه الكثيرون حول “لماذا يرسم الإنسان؟ وإذا رسم ماذا يريد؟ فيقول ” إنه تحليل منطقي لما يراه المرء، فالإنسان كان يحلل الأشكال الكونية ويعيد تكوينها من جديد، وعندما أراد التأكد مما يجري داخل رأسه من رسوم تجريدية، رسم الشكل مرة ثانية وثالثة”.
وبين الزيات أن ” فاتح اعتمد على الهندسة لينظم سطح لوحاته، ويمتلك في الوقت نفسه روحانية كبيرة، تجلت بقربه من الطبيعة، فكان (كما جاء على لسانه في الفيلم) يرعى أغنامه ويتناول الأعشاب معهم، ويحادث الفراشات والأحصنة”.
ويصف المدرس تماهي رسمه مع الطبيعة فيحكي “على جبل دمشق قاسيون وقفت استريح، وعلى بعد خطوات حط غراب، قال من فضلك ارسم صوتي، هذا الغراب اللطيف طار لحظة، ثم حط متعثرا وقال بأدب جم : من فضلك ارسم هذه الكلمة، ونقر حصوة”.
وينحدر الفنان المدرس من مدينة حلب، وتحوّلت علّيته الخشبيّة التي سكنها في بداياته في حي باب النصر، إلى ملتقى جمع أهل الثقافة والأدب، وكان من أصدقائه آنذاك عمر أبو ريشة وأدونيس وسامي كيّالي وخير الدين الأسدي ومارون عبّود.
سافر فاتح المدرس في بعثة إلى إيطاليا في 1957، وأكمل تعليمه لاحقا في أكاديمية البوزار في باريس، خلال دراسته في الخارج التقى مصادفةً المفكر الفرنسي جان بول سارتر فدعاه إلى مرسمه .
حين عاد فاتح المدرس من دراسته في الخارج عُيّن معيداً في كلية الفنون في جامعة دمشق، ومن ثم شغل منصب أستاذ دراسات عليا في الكلّية نفسها .
سُئل يوماً فاتح المُدرس لماذا لم تشد الرحال إلى أوروبّا لتستقر في إحدى البلدان وتصبح أحد مشاهير الفن هناك، أجاب: “لا أستطيع أن أفارق شجرة التّوت في داري، ولا صوت نقيق الضفادع في نهر قويق، ولا رنين طاسات “أبو كنجو” بائع العرقسوس، كما أنّي عاجز عن اصطحاب كل هذه الأشياء معي”.
ويذكر أن لوحات الفنان السوري وضِعت في أشهر المتاحف، كما اقتنتها شخصيات عديدة كالدكتور فالترشيل رئيس جمهورية ألمانيا الإتحادية، والفيسلوف جان بول سارتر، وجاك شيراك حين كان رئيساً لوزراء فرنسا .
رنا سليمان _ تلفزيون الخبر