خمسة حقوقيين سوريين.. لازالت قوانينهم مصدراً للتشريع في العالم منذ أكثر من ألف عام
تحت رداء كلمات عالم المسماريات الفرنسي “شارل فيرو”، “لكل إنسان وطنان: وطنه الأم وسوريا”، تختبئ معان كثيرة، تتجاوز الأصل والتعميمات التاريخية، إلى أدق تفاصيلها من قانون وفن ولغة وأبجدية.
وتحت عدسة الاهتمام المكبِّرة، تتضح صور وترسخ حقائق، تبدو صعبة التصديق، إذا ما قورنت بواقع حالي مخالف، ومنها أن 80% من مدونات قانون جوستيان المدني، المؤلفة من 50 كتاباً، صيغت تشريعاتها من مؤلفات خمسة حقوقيين سوريين.
وهؤلاء الفقهاء هم : بابينيان، ألبيان، مودستينو، غايوس، جوليوس، بولوس، كتبوا مؤلفاتهم الحقوقية باللاتينية، وهذا ما جعل الكثير من المؤرخين يطلقون عليهم اسم الفقهاء الرومانيين، فانسحب بالتالي الاسم على مجمل القوانين التي وضعوها فأطلق عليها اسم التشريع الروماني.
وبحسب موقع المعرفة “تضم مدونات جوستيان 2462 فقرة قانونية، تعد إلى اليوم المصدر الرئيسي الّذي استمدت منه قوانينها الدّول الأوربّية الحديثة، كفرنسا وإسبانيا وألمانيا و إيطاليا”.
ويسجل للقوانين التي صاغها الفقهاء الحقوقيون السوريون الخمسة، أنها خلصت التشريع الروماني من فظاظته وقسوته، بعد أن أسبغوا روح الرواقية الفينيقية السورية على مجمل ما شرعوا.
وكان الإمبراطور تيودور الثاني، أصدر مرسوماً عام 426م، عرف بقانون المرافعات، حيث صنف الفقهاء إلى مجموعتين وحظر على القضاة اعتماد سواهم في جميع الأحكام التي يصدرونها.
ضمت المجموعة الأولى الفقهاء السوريين الخمسة، والمجموعة الثانية شملت الفقهاء الذين اعتمدهم الفقهاء السوريين الخمسة.
وعن بعض هؤلاء الحقوقيين، تذكر المصادر أن مؤلفات الفقيه غايوس شملت أربعة أجزاء، بحثت في الأصول والأشكال وحقوق الأسرة والميراث والملكية، و اعتبرت مرجعاً يلتزم به القضاة بقرار من الإمبراطور فالنتين، واعتمدت مؤلفاته لأهميتها، مادة تدريبية في المعاهد والجامعات الأوروبية.
وبرز الفقيه البيان في مجال التشريع بين عامي 211 و222، وقدم أعمالا في مجال صياغة الأحكام، كما صاغ تشريعات تحد من الامتيازات العنصرية للحاشية الامبراطورية.
أما أشهر هؤلاء الفقهاء، الفقيه “بابنيان” ، الذي مات شهيد التشريعات والقوانين العادلة التي أرسى قوانينها، حيث ألف أكثر من 56 مؤلفاً في الحقوق غدت أساس التشريعات الحقوقية العالمية الحالية.
وُلِد بابنيان في حمص عام 142م وتوفي عام 212، شغل عدّة مناصب هامة في عهد الإمبراطور سيبتيموس سيفيروس، زوج السوريّة جوليا دومنا التي حكمت روما لاحقاً.
ألف الفقيه السوري عدّة كتب، أشهرها الأسئلة و الأجوبة والفتاوى، واعتمد كتاب الأجوبة كمقرر دراسي في مدارس الحقوق الرّومانية، استعار جوستنيان في موجزه القانوني أكثر من 600 فقرة من كتابات بابنيان، كما ذكر اسمه 153 مرة.
انتهت حياة بابنيان على يد “كراكلا” ابن الامبراطور سبتيموس وزوجته جوليا دومنا، حيث قام كراكلا بقتل شقيقه غيتا طالبا من بابنيان صوغ رسالة قانونية يبرر له فعلته التي ارتكبها و ليجد له مخرجاً لما قام به أمام مجلس الشيوخ.
الأمر الّذي رفضه بابنيان قائلا جملته الشهيرة : إن ارتكاب جريمة قتل أهون من تسويغ هذا القتل. إلا أن الامبراطور كراكلا أمر بقتل بانيان ببلطة, فانتهره لاستعمال البلطة بدلاً من السيف، فكان له ذلك.
وكتب أحد المؤرخين، “في القرن الثالث الميلادي، كانت سورية تعكس على العالم تقاليدها الحقوقية التي تعد مصدر الحقوق الرومانية وأصلها.
كما اعترف الشاعر والكاتب الروماني “جوفينال” ،في القرن الثاني الميلادي بفضل السوريين قائلا : “منذ زمن بعيد ونهر العاصي السوري يصب ماءه في نهر التيبر جالباً معه لغته وعاداته وعوده وقيثارته بأوتارها المائلة”. .
ويقول “بول كولينيت”: يعود إعداد الحقوق الرومانية الجديدة الى جماعة من الفنيقيين السوريين، ولا تزال هذه الحقوق مدينة ببلوغها أوج الكمال، الى حكم السلالة السورية لعرش روما 193- 235 م”.
يذكر أنه يقف أمام دار العدل تمثال شامخ للحقوقي بابنيان، وأمام مبنى الكونغرس الأمريكي، جدارية معنونة باسم بابنيان كتب عليها: ” مؤلف لأكثر من 56 مؤلفا في الحقوق، كانت أساس التشريعات الحقوقية العالمية.
رنا سليمان- تلفزيون الخبر