سبل مياه دمشق.. جماليات معمارية توثق كرم أهل الشام
أكثر من ٤٠٠ سبيل مياه في دمشق بين قديمها وحديثها، كانت بمثابة دليل على عطاء أهل الشام وكرمهم، فضلاً عن جمالياتها التي تضيف رونقاً خاصاً على معمارية المدينة.
ذكر الرحالة الشهير ابن جبير في رحلته إلى دمشق أن أرض دمشق سئمت كثرة الماء من نبع بردى فاشتاقت إلى الظمأ، وهو ما دفع أهلها منذ مئات السنين لتشييد المناهل العامة في الأسواق والحارات وعلى جدران الجوامع والمدارس والأبنية الأثرية.
كما قال عنها المؤرخ والرحالة الشهير ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان: من خصائص دمشق التي لم أر بلداً مثلها كثرة الأنهار فيها وجريان الماء في قنواتها فقلّ أن تمر بحائط إلا والماء يخرج منه في أنبوب إلى حوض يستقي منه الوارد والصادر، وما رأيت مسجداً ولا مدرسة ولا حائطاً إلا والماء يجري في بركة صحن المكان.
ويقدر المهتمون عدد السبل في مدينة دمشق بحوالي 400 سبيل، ما بين قديم تراثي وحديث عصري. وإذا كان الجديد منها بسيطاً وعلى جانبه هناك لوحة رخامية يكتب عليها عادة أن هذا السبيل أقيم للترحم على فلان الفلاني أمام محله أو منزله.
فإن السبل القديمة التراثية، والتي مازالت قائمة حتى الآن، تؤدي هدفين وهما إرواء ظمأ العابر والزائر، والتمتع بتلك المنشآت المعمارية الجميلة ذات اللمسات المميزة من الزخارف والرسومات الهندسية.
تعود بعض السبل لعهود قديمة بدءاً من العهد الأيوبي وحتى العهد العثماني، منها سبيل الدرويشية الذي يقع في الواجهة الشمالية من جامع درويش باشا في منطقة باب الجابية القريبة من سوق الحميدية الشهير.
ومن سبل دمشق الشهيرة أيضاً سبيل زقاق الموصلي بحي الميدان الذي يعود تاريخ بنائه للعهد الأيوبي ولعام 637 هجري ويمتاز هذا السبيل بجمال بنائه المشيد من الحجر، تزين جداره كتابة تشير إلى إنشاء مسجد في هذا المكان.
ومن العهد المملوكي هناك سبيل البريدي الذي يعود للعام 700 هجري بمنطقة السويقة في دمشق، وهو مسجل لدى المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية في عداد المباني الأثرية منذ العام 1948ويمتاز هذا السبيل ببنائه المزخرف الحجري الجميل وتشير الكتابة المنقوشة على جداره إلى أن منشأه هو علاء الدين بريدي عام 700 هجري.
انتشرت السبل أيضاً زمن الاحتلال العثماني ومنها سبيل أبو الشامات الذي يقع في الواجهة المقابلة لزاوية أبو الشامات في منطقة القنوات، ويعود بناؤه إلى العام 1314هجري وللسبيل إطار رخامي جميل تعلوه لوحة منقوشة عليها أبيات شعرية.
وأيضاً سبيل جامع العريشة جامع السادات الصغير ويوجد على الواجهة الغربية لجامع العريشة في القشلة بمنطقة باب توما، ويمتاز هذا السبيل بجمال بنائه المزخرف بزخارف نباتيه مكتوبة ضمن إطار حجري نقشت عليها أبيات شعرية.
وهناك سبيل جامع الشيخ يعقوب في حي الميدان على الواجهة الغربية للجامع، وهو من الحجر وله أقواس مرتفعة تقوم فوقها مئذنة جميلة من الحجر الأبيض والأسود، تزين جداره لوحة حجرية مربعة الشكل عليها كتابة تشير إلى باني السبيل وتعلوها زهرة نافرة من الحجر، ويعود بناؤه للعام 1228هجري.
ومن السبل الدمشقية كان هناك سبيل محطة الحجاز مقابل مبنى المحطة القديم، وقد بني مع بناء المحطة أوائل القرن العشرين وفي أواخر العهد العثماني، وقد أنشأ ليخدم المسافرين ويخفف من عطشهم.
وهناك سبيل قصر العظم الذي كان موجوداً قرب الباب الغربي للقصر عند زاوية سوق البزورية، وكذلك سبيل الصوفانية في منطقة باب توما وسبيل الشهداء في سوق الصالحية المجاور لجامع الشهداء والمبني كما يقال فوق قبور ثلاثة أخوة من الصحابة استشهدوا عند الفتح الإسلامي لدمشق.
وهناك أيضاً سبيل جامع الشيخ محيي الدين في حي الصالحية ويقع على يسار مدخل الجامع، ومن السبل العثمانية هناك سبيل مبنى جامعة دمشق والذي يؤرخ لتأسيس الجامعة في العام 1318هجري وهو مبني بشكل تراثي جميل وبخلاف السبل الأخرى يخرج الماء من فم تمثال حجري شيد بشكل فني مع مبنى السبيل.