سوري الأصل .. “بابنيان” مؤلف أسس التشريعات الحقوقية العالمية .. ماقصته؟
في روما، وتحديداً، أمام دار العدل يقف تمثال شامخ ضلّ الكثيرون عن أصله وفصله وعرفوه على أنه شخصية رومانية كما يعرف بأنه “مؤلف أكثر من ستة وخمسين مؤلفا في الحقوق كانت أساس التشريعات الحقوقية العالمية”، وفق ما ذُكِر على جدارية أمام مبنى الكونغرس الأمريكي والتي عنونت باسم “بابنيان”.
هو في حقيقة الأمر “بابنيان الحمصي (142-212م)، قلة من السوريين من يعرفون أن هذا الرجل العظيم الذي أعطى للعالم أولى التشريعات والقوانين التي تعد مصدراً للحقوق حتى يومنا هذا سوري الأصل.
اسمه في الأغريقية “بافنيان”، وهو الحقوقي السوري وشهيد العدالة التي أرسى قوانينها، ولد عام 142م في حمص، درس في بيروت التي كانت أشهر مدارس تعليم الحقوق في الإمبراطورية الرومانية.
وشغل عدة مناصب في عهد الامبراطور المولود في ليبيا “سبتيموس سفيروس”، زوج الإمبراطورة جوليا دومنا الحمصية، وكان مقرباً منهما.
كان بابنيان ضمن “الفقهاء السوريين الخمسة” الذين صاغت تشاريعهم 80% من مدونات “جوستينيان” في القانون والتي تتألف من خمسين كتاباً مؤلفاً من 2462 فقرة قانونية تعد مصدراً رئيسياً استلهمت منه الدول الأوروبية الحديثة قوانينها مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا.
حيث أدخل “بابنيان” ما لا يقل عن 596 فقرة في “موجز جستنيان القانوني” وذكر اسمه فيه 153 مرة، وهذبت تلك القوانين التشريع الروماني الذي كان فظاً قاسياً، إذ أسبغت عليه روح الرواقية المشرقية.
ألف بابنيان 19 مؤلف في المناقشات القانونية، و37 في المسائل القانونية، وتعتبر كتبه “الأسئلة” و”الأجوبة” من أشهر ما كتب، حيث كان كتاب “الأجوبة” مقرراً مدرسياً في مدارس الحقوق الرومانية، وأيضا كتاب “الفتاوى”.
لكن تلك الحياة المزدهرة المليئة بالإنجاز كان ينتظرها نهاية فاجعة، وجاءت النهاية بعد صراع “كاركلا وغيتا أبناء الإمبراطور سبتيموس”، انتهى بمقتل غيتا على يد أخيه، وبعد تسلم مقاليد الحكم طلب كاركلا من بابنيان صوغ رسالة يتلمس فيها الأعذار لفعلته الشنيعة أمام مجلس الشيوخ.
وما كان من بابنيان إلا أن اتخذ موقف الحق وأبى ذلك، قائلاً جملته الشهيرة التي ترن في أروقة المحاكم حتى اليوم: إن “ارتكاب جريمة قتل أهون من تسويغ هذا القتل”، فما كان من الإمبراطور إلا أن أمر بقتل بابنيان بالبلطة.
فطلب بابنيان استعمال السيف وكان له ذلك، لتنتهي حياة هذا الرجل العظيم دفاعاً عن العدالة التي لم يكتفِ بسن قوانينها بل آمن وعمل بها حتى نهاية حياته.
ويقول المؤرخ جيبون في مقتله: “لقد كان إعدام بابنيان محزنا بوصفه كارثة عامة”.