لماذا تصوم “الثقافة” في رمضان؟
يتزامن شهر رمضان مع شحّ في الفعاليات الثقافية المختلفة، فمن النادر أن تحظى فيه بحفلة موسيقية، أو أمسية شعرية، أو مسرحية، أو معرض تشكيلي،… وكأن ثمَّة تعارضاً بين الثَّقافة وبين الصِّيام، أو كما قال أحدهم: هناك من يعتبر الثقافة من “الموبقات” التي لا تناسب هذا الشهر الفضيل.
البعض عزا هذه الظاهرة إلى “مخطط امبريالي”، وآخرون رأوا أن الموضوع عائد إلى أن الثقافة -بمفهوم الأغلبية- لا تتوافق مع التسلية الرمضانية المنشودة، بينما اعتبر البعض أن في ذلك إهانة للشعب السوري وكأن ثمّة استسلام من وزارة الثقافة للأعراف الخاطئة، ومحاباة تضرّ بمجتمعنا وبنيته الثقافية.
الإعلامية والأديبة “نهلة سوسو” قالت في تصريح لتلفزيون الخبر: “الصيام الثقافي في رمضان، هو ابن الانقلاب الذي يحدث في مؤسسات الدولة بقرارات رسمية: تقليص ساعات الدوام، تغيير البرامج في الإذاعة والتلفزيون بشكل جذري، بحيث تنحو إلى استحضار كل الموضوعات الدينية حتى إن تكررت، يليها التسلية والترفيه والمسابقات والمسلسلات!
وأعلنت “سوسو” استغرابها من أن “هذه الظواهر كلها تأتي محمولة على أيام شهر، يفترض أنه للطاعة والزهد والتخفف من سطوة الشهوات فـإذ بالتجارة تنشط على كل صعيد، والمنتجين يضعون أموالهم في مضاربات العروض، والزبائن الضحايا هم المؤمنون القانتون التوابون!”.
وتتابع “سوسو”: بالإضافة إلى كل ما هو مجد ونافع ومنتج، فالسهر الطويل مستحب، والنوم خلال النهار مسموح، وتأجيل العمل المجهد إلى ما بعد شهر الصيام محمود! واليوم بذاته لا بداية له ولا نهاية، فأين سيجد الشأن الثقافي مكاناً له في هذا الانقلاب المناخي، والعقول كلها في خدر؟ والصيام ذريعة، صارت مشروعة لغيبوبة تدوم شهراً، ويبدو أن لا إفاقة منها إلا بمعجزة إلهية؟”.
الأديب “مفيد عيسى أحمد” قال لتلفزيون الخبر: “صوم الثقافة، مصطلح طريف ومعبر، وهو صوم على صوم، ففي الأساس هناك صوم ثقافي في الأيام العادية، ومتابعي النشاطات الثقافية هم نسبة قليلة جداً، ليأتي رمضان فتتقلص هذه النشاطات إلى درجة كبيرة، ولا أظن أن مرد ذلك هو عدم وجود متابعين فقط، بل لعقلية متأصلة نراها في كل مجالات العمل والنشاط، حيث تؤجل أعمال كثيرة وتلغى أخرى، تختصر ساعات العمل…”.
وأوضح “مفيد أحمد” أنه في العقلية الجمعية، رمضان شهر استرخاء يلازم الصوم، وتناسبه التسلية، أو كما يُقال في الاصطلاح الشعبي “سلِّي صيامك”، لافتاً إلى أن “متابعة النشاطات الثقافية والقيام بها لم يعد من سبيل التسلية، خاصة بعد الطوفان الدرامي الذي قام على هذا المفهوم (التسلية) حيث نجد أغلب الأعمال الدرامية ذات سمة ترفيهية بعيدة عن الطروحات الثقافية”.
الكاتب والشاعر “اسكندر سليمان” حذَّر من هذه الظاهرة قائلاً لتلفزيون الخبر: “أن يصل الأمر لاقتراح تعطيل الثقافة لشهر، فهذا يعني قبول السوري لكل الخسائر التي تبدأ من خسارته الشخصية لأتفه حاجاته إلى خسارته للوطن والشعور بوجود الدولة”.
وأضاف: “هذه أكثر من إهانة لشعب عمر ثقافته آلاف السنين، وإهانة لعقل وحساسية يفترض بثقافته الجديدة العمل عليها، ومثل هذا السلوك وهذه المقترحات من شأنها تعزيز الصدوع ونقاط المواجهة بين الأحقاب الاجتماعية والفكرية الموجودة في المجتمع السوري”.
ويتساءل الكاتب “أحمد اسكندر”: “بما أنهم اقترحوا تعطيل قدرة المجتمع على إنتاج الجمال وإلزامه بمتابعة المسلسلات الغبية بخطاباتها المتخلفة، هل سيتوقف الفاسدون عن السرقة؟ وهل سيتوقف المجرمون عن القتل؟ وهل سيتوقف الشر عن ابتكار شروره؟… إن حدث هذا سأوافق على كل ما يريدونه وسنصوم السنوات تلو السنوات حتى يحل العدل وتتوقف الحروب وسندمن المسلسلات التافهة بكل حب”.
وأضاف: “إذا كان هذا سينهي الفقر ويطور المناهج التعليمية بحيث تصبح سوريا دولة متقدمة علمياً وليست في مؤخرة التصنيف، فأنا معه، وإن كان ذلك سيجعل من المواطن السوري ابناً للحضور في العالم وحسب معاييره العليا، فأنا معه، لاسيما أن ثروات سوريا تؤهل لهذا، وتاريخها كذلك، فما الذي يعيق المسألة؟ فكروا معي، بعدها لا بأس بكل المسائل، سنجد حلا لها”.
بديع صنيج- تلفزيون الخبر