نحّات سوري مقيم في فرنسا يطلق مبادرة للمشاركة في ترميم كنيسة نوتردام
منطلقاً من إيمانه بالتراث الإنساني الجامع، ورغبته بترك بصمة سوريّة في معلم حضاري وتراثي بمثل هذه الأهمية، قدّم البنّاء والنحات السوري المقيم في فرنسا، جميل علوش، مبادرة للمشاركة في ترميم كاتدرائية نوتردام التي تعرضت لحريق هائل منذ عدة أسابيع.
وحول هذه المبادرة، أجرى تلفزيون الخبر حديثاً مع النحات السوري، الذي قال “إن كاتدرائية نوتردام تعد معلماً وتراثاً إنسانياً وقطعة فنية ثمينة جداً، مثل كل الأوابد التي تزخر بها بلدي سوريا”.
وأضاف علوش “عملي الأساسي هو بالنحت وبناء القصور، وأنا متخصص بفن العمارة القوطي، حيث عملت مع المهندس جوزيف عقيقي منذ التسعينات في ترميم الكنائس ونحت التماثيل والأعمدة والخزف”.
ينحدر علوش من منطقة الزبداني السورية، غادر سوريا بعد اندلاع الحرب في عام 2012 إلى لبنان، وبقي فيها حتى عام 2018، ليغادر إلى فرنسا عبر برنامج الأمم المتحدة لإعادة التوطين.
وبيّن علوش أنه “خلال إقامتي في لبنان تابعت عملي في ترميم الكنائس والأيقونات، وبناءها، مثل كنيسة بشوات الأثرية وكنيسة برقة وكنيسة أدما، وكثير من المزارات في منطقة كسروان وحريصة والبقاع اللبناني”.
وأكدّ علوش في حديثه، الأخبار المتداولة عن تأثر بناء كاتدرائية نوتردام بالكنائس الموجودة في سوريا، وخاصة كنيسة قلب لوزة الأثرية في إدلب، فقال “الفن القوطي مستوحى أساساً من الفن الروماني واليوناني، ومن طبيعة الفنون الإنسانية تأثرها ببعضها البعض، وبدأ ظهور الفن القوطي وإنشاء الكنائس في العصور الوسطى، مع بدء إعمار الكنيسة في الشمال الأوروبي”.
وأشار علوش ” قدمت المبادرة للحكومة الفرنسية باسم السوريين جميعاً، وأحببت أن أترك بصمة سوريّة في معلم أثري مهم للإنسانية جمعاء، ولاقت مبادرتي استحساناً وترحيباً كبيراً من قبل الفرنسيين”.
وتابع علوش “أمّنت لنا بعض الجمعيات الفرنسية سكناً في مدينة باريس، وكل سبل نجاح المبادرة، التي أحببت أن تكون صرخة في وجه التطرف، وإظهاراً للوجه الحضاري والإنساني الموجود لدى الشعب السوري، على عكس الصورة التي يروّج لها في الغرب”.
ورغم إنسانية المبادرة، تعرض علوش لهجوم من قبل بعض من وصفهم ب”المتعصبين والحاقدين”، فقال “الذي لم يتأثر بحريق نوتردام، هو ذاته لم يشعر بأي سوء لدمار أي تحفة معمارية في سوريا خلال الحرب، ولا يرى في آثار بلده إلا ثروة مالية يجب الاستفادة منها”.
وأردف النحات “تعرضت لهجوم من البعض بسبب أنني مسلم يشارك في ترميم كنيسة، والبعض اتهمني بعدم الاكتراث بآثار بلدي التي تعرضت للخراب معتبراً أنه من الأولى أن أرمم في سوريا بدل فرنسا”.
وبيّن علوش أنه يرغب بالعودة إلى سوريا حال تمكنه من ذلك، ليشارك في إعادة بناء ما هدمته وضيعته الحرب من آثار لا تعوض ، واصفاً سوريا بأنها “جزء من الروح لا يستطيع الاستغناء عنها”.
وكان حريقاً هائلاً اندلع في كاتدرائية نوتردام الشهيرة في العاصمة الفرنسية باريس مساء الاثنين 15 نيسان، وسبب أضراراً كبيرة في بناء الكنيسة التي كانت تشهد أعمال ترميم لبعض أجزائها.
وتعتبر هذه الكاتدرائية من أشهر المعالم السياحية في باريس، ويقصدها ملايين السياح سنوياً وتقع في قلب باريس، ويمتد تاريخها إلى منتصف القرن الثاني عشر الميلادي. واستغرق بناء الكاتدرائية نحو 200 عام، وهي ذات أبعاد هائلة، إذ يبلغ طولها 127 متراً، وعرضها 40 متراً، ويصل ارتفاعها إلى نحو 33 متراً.
وكشف مؤخراً باحثون متخصصون بالتراث في الشرق الأوسط، أن كنيسة تنتصب في قرية قلب لوزة في محافظة إدلب، شمال غرب سوريا، وتعود إلى القرن الخامس الميلادي كانت مصدر إلهام لبناء كاتدرائية نوتردام باريس.
وبيّن الباحث في التاريخ “فايز قوصرة” إن “الفن المعماري في كنيسة قلب لوزة يفوق الكنائس الأخرى في المنطقة جمالاً، ومن يتعمق في تاريخ الفن القوطي، وخصوصا القوطي الكنسي يجد أن هذا الطراز المعماري انتقل إلى أوروبا من سوريا”، مضيفا أن “أكبر إثبات على ذلك هو كاتدرائية نوتردام”.
وأشار قوصرة إلى “التشابه بين كنيسة قلب لوزة وكاتدرائية نوتردام، من حيث الواجهة والبرجين والسقف الخشبي”.
يذكر أن حملة تبرعات كبيرة أقيمت لإعادة ترميم كنيسة نوتردام، وتعدت التبرعات من العائلات الفرنسية الثرية والشركات العالمية، في اليوم التالي للحريق، الـ750 مليون يورو، حسب وكالة “فرانس 24”.
رنا سليمان _ تلفزيون الخبر