متحف الطب والعلوم.. إشراقة حضارية من قلب دمشق القديمة
هناك طرقات يأخذ الفضول من يجوبها إلى أن يعرف أكثر عنها، وبمعنى أدق ليكتشف ماذا هناك.. ففي أحد تفرعات سوقَي “الحميدية” و”الحريقة” في المدينة القديمة بدمشق وفي الجنوب الغربي من الجامع الأموي، تنبثق من إحدى الزوايا شمسٌ “نوريّة” محاطة بالخضرة وإذا ما كان البثُّ صوتياً سيكون لصوت الماء، هناك، سيمفونية رقراقة، ليتشكل بذلك ثالوثٌ جماليٌ فريد.
يحاوط هذا الثالوث جدران ضخمة ويأخذ إليها باب بضخامة وروعة المكان ليدلنا على بقعة تاريخية كان لمن عايشوها “صولات وجولات” حضارية علمية ونهضوية، ربما طال الاستهلال لكن لا يمكن أن يكون إلا ذلك إذا ما كان الحديث عن متحف الطب والعلوم في دمشق، اليوم و”البيمارستان النوري” في الماضي البعيد.
في اللغة، تقول المعاجم إن “كلمة “بيمارستان” كلمة فارسية مركبة من جزأين (بيمار) ومعناها المريض، و(ستان) الدار، وعند جمعهما تعنيان (دار المرضى)، وتروي المصادر التاريخية أن “البيمارستانات كانت بمثابة مستشفيات ومدارس للطب، يعالج فيها المرضى من جميع الأمراض بما فيها الأمراض النفسية”.
وفي العودة إلى الحاضر، روت أمين سر “متحف الطب والعلوم”، ورود ابراهيم، لتلفزيون الخبر الكثير عن محطاته إلى أن وصل إلى هيئته البديعة اليوم، تقول إبراهيم: “حين زار الرحالة ابن جبير البيمارستان في القرن الثاني عشر الميلادي، جاء على ذكر أساليب المعالجة فيه”.
وتابعت، فيما نقلت عن ابن جبير: “الأطباء يأتون في الباكر كل يوم يتفقدون المرضى ويأمرون بإعداد ما يصلح لهم من الأدوية والأغذية حسبما يحتاج كل مريض، ولذوي الأمراض العقلية نوع خاص من العلاج”.
تختصر ابراهيم بهذه المقدمة تأريخ الفترة الزمنية التي كان للبيمارستان وهجه الخاص ووجهته الأهم التي كانت تستقطب العلماء والمفكرين حول العالم ليتزودوا منه ويتلقوا العلوم”، مؤكدة أنه “كان مجمعاً طبياً متكاملاً في العلاجات وتعليم الطب”.
وأضافت ابراهيم “أوردت المصادر التاريخية أن البيمارستان النوري كان يشابه القصور الملكية بما فيه من ترف ووسائل راحة، وكذلك أنواع الأطعمة التي كانت تقدم للمرضى، إضافة إلى مجانية العلاج للفقراء والأغنياء”، مردفة “حتى أن المرضى كانوا يمنحون لدى خروجهم من البيمارستان ثياباً ونقوداً تكفيهم فترة النقاهة وكان يتسع لألف وثلاثمائة سرير”.
وأكملت أمين سر المتحف “أهم الأطباء الذين تخرجوا فيه علاء الدين بن أبي الحزم القرشي الشهير بابن النفيس الدمشقي مكتشف الدورة الدموية الصغرى قبل العالم الانكليزي هارفي بأربعة قرون”.
وأوضحت أن “المديرية العامة للآثار والمتاحف في عام 1978 قامت بترميم البيمارستان وتجهيزه ليصبح مقراً لمتحف الطب والعلوم عند العرب”، مضيفة “يضم المتحف قاعات رئيسية، وهي قاعة العلوم، قاعة الصيدلة، قاعة الطب، المكتبة”.
وأشارت ابراهيم إلى أنه “خلال الحرب تم الحفاظ على مقتنيات وخصوصية هذا المكان حيث تم إغلاقه لأسباب أمنية وعاد افتتاحه منذ نحو عشرة أيام، مردفة “يلفت في هذا المكان طرازه المعماري الشبيه للبيوت الدمشقية”.
ونوهت إلى أن “مقتنيات المتحف خلال الحرب تم إخفاؤها في المديرية العامة للآثار والمتاحف وتم إرجاعها بالتزامن مع التجهيز لإعادة افتتاح المتحف وتم إرفاق القطع ببطاقات توضيحية، مضيفة “تحتوي القاعات اليوم على كتب ضخمة تحتوي مخطوطات قديمة تحكي أحداث هذه المشفى الكتابات أيضاً شاهدة على معالم مدينة دمشق”.
ولفتت ابراهيم إلى أنه تمت إعادة تأهيل المتحف بتعاون عناصر سورية من فريق شكلته تسع سيدات من المديرية العامة للآثار والمتاحف بالإضافة لعاملين في المتحف، حيث تم تجهيزه وإعادة عرض القطع التي استخدمها الأطباء الذين كانوا يعملون ويترددون هذا المكان”.
وذكرت أمين سر المتحف أن “محاولات تفعيل المكان أكثر تتم على مستويات عميقة، حيث تجري دراسات لإقامة مؤتمرات طبية فيه، بالإضافة إلى الأفكار الخاصة بعلماء الفلك، لا سيما وأنه يوجد في المتحف أدوات وآثار لدراسات لعلم الفلك”.
يذكر أنه أنشأ “البيمارستان النوري” (متحف الطب والعلوم اليوم)، السلطان الملك العادل نور الدين محمود عام 549هـ/1154م، وسمي بالنوري نسبة إليه، واشترط فيه حينها أن يكون مقصوراً على الفقراء والمساكين، لكنه شمل بعد إنشائه كافة المرضى وجرحى الحروب آنذاك.
روان السيد – تلفزيون الخبر