الفنانة التشكيلية “عزة الشريف”.. مُفْرَدٌ بصيغةِ الجَّمْع
تُهنْدِسُ الفنانة التشكيلية “عزة الشريف” فضاء لوحاتها بالأضداد، مُزيحةً المفاهيم الثابتة في التصوير إلى أماكن غير مطروقة سابقاً، وذلك ضمن معرضها في المركز الوطني للفنون البصرية.
كما تعيد “الشريف” تدوير مخاضاتها الذاتية ووجدانياتها بحيث تصحّ عليها مقولة أدونيس “مُفرَد بصيغة الجمع”، إذ تنطلق من أجواء مكتبها ومصابيح غرفتها وأفكارها عن نفسها وعن محيطها، إلى فضاءات كونية تسبر من خلالها مَعالِم الألم والفَقْد والعزلة والأسر للإنسان ككل.
وتتخلى الأشكال الهندسية في أعمالها عن ثوابتها في مقابل ليونة تُحقِّقها شفافيات اللون، والانعتاق من الثوابث التشكيلية، باتجاه بناء خصوصية مُعاصرة على صعيد الأفكار وتجسيدها، ما يجعل العلاقة مع متلقي العمل الفني مُفعمة بالتساؤلات.
تقول “الشريف”: بكامل قوتها وألمها وبرودها كانت الريشة تتجول على سطح لوحاتي وتعيد تدوير ذاكرتي لتخرج بصياغات بصرية جديدة تشبه الواقع، فيها شخوص بلا تعابير للوجوه، وتعيش في البرزخ بين الموت والحياة، بين الوصول والانتظار، بين الحرية والقيد.
وتتابع: لا تخلو رؤيتي من الرغبة في القفز على كل ما هو موروث فني معرفي، لتتناغم مع مونولوجي الداخلي، بحيث تُصبح كل لوحة جزء من صورة أوسع لواقع الإنسان المعاصر، المُهدَّد بحريته وكرامته وقدرته على ممارسة وعيه الإنساني.
وتُخبرنا “الشريف” عن مقولة علَّمها إياها والدها تتلخص بـ”وحدة وصراع الأضداد”، لافتةً إلى شعورها بأن ممارستها للفن هي الضد المتبقي الوحيد الواقف في وجه كل خيبة وانكسار لأنفسنا التواقة للحرية.
من جهته يرى “غياث الأخرس” رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية أن نظرة دقيقة إلى أعمال “عزة الشريف”، تضعنا أمام بحثٍ بصري جدّيّ ومعاصر، من حيث حداثة التعبير في طرحها لمسيرتها الحياتية، المبنية على تساؤلاتها الذاتية، التي حققت من خلالها حلمها حتى الآن.
ويضيف لتلفزيون الخبر: استفادت “عزة” من تحليلها للفضاء المعماري، حيث أعادت تركيب ما حولها من مكونات بإحساس جديد ومعاصر، وتوصلت إلى مفاهيم لونية أقرب إلى الشِّعر، وكأنها أوجدت أبجديتها الخاصة بها، التي تتواصل من خلالها مع متلقي أعمالها بما يقودها إلى معرفة جديدة باستمرار.
“سامية شقير” المحاضرة في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق تقول إن تجربة الفنانة “عزة الشريف” تأسر المشاهد بقدرتها على الحوار وبما تطرحه من تساؤلات وقضايا، ففي لوحاتها حركة دائمة وشيء قريب من (Illustration.. الرسم الإيضاحي)، ونرى الضوء لا يغادر أعمالها رغم قتامة المحيط.
وتتابع في تصريح خاص: تبتدع “الشريف” أدواتها وتؤلف بين رموز اللوحة وعناصرها بانسجام رغم غرابة هذه المفردات، وتمردها، فنجدها تارة إنسانية وحالمة، وتارة أخرى هندسية وحادة، إنها تجمع التضاد بألفة.
وعما يميز تجربة “عزة” تقول “شقير”: إنها لم تنجرف نحو التقانة وامتلاكها، ككثير من الشباب الذين تطغى تقنياتهم وموادهم المستخدمة في معالجة السطح الفني على المضمون مما يسبب نوع من النمطية والتكرار.
وتضيف: إلى جانب ذلك هي باحثة يسكنها السؤال ويحركها الشغف في نَفْسٍ لا تعرف الهدنة، تستند على موهبة متأصلة وفكر معاصر يذهب بعيداً في الحداثة ويطوع مفردات العمل البصرية وبناءه بدفء، وجرأة في الطرح تحيي فينا الكثير.
بديع صنيج- تلفزيون الخبر