“خان أسعد باشا” نكهة فريدة في سوق البزورية الدمشقي
من يمر في سوق البزورية الدمشقي، لا بُدَّ سيستشعر نكهة فريدة حالَ زيارته لـ”خان أسعد باشا”، فبعد أن كان فندقاً للمسافرين وقوافلهم، وأحد الأدلة على ازدهار الحياة الاقتصادية في دمشق، بات مزاراً لمُحبي العمارة الدمشقية والمناخات الجمالية الخاصة، بحيث لا تكتمل نكهات “البزورية” من دون زيارة هذا الصرح التاريخي.
“خان أسعد باشا” مبني من الحجر في هيكل أقرب إلى الحصون والقلاع منه إلى الدور، وهو على هيئة ساحة مربعة على جوانبها غرف من طابقين، وكان في إحدى جوانبه إسطبلات للدواب، بينما يبيت المسافرون في الطوابق العلوية، لحمايتهم من قطاع الطرق، ومن كان منهم من خارج المدن لا يستوفى منه أجر المبيت.
كثرة بناء الخانات في دمشق خلال العصرين المملوكي والأيوبي دفع “القساطلي” في كتابه “الروضة الغناء” ليذكر أن دمشق سنة 1819 م ضمّت نحو 130 خاناً، تميزت بالقباب التي كانت تغطي باحتها، لاتقاء الحر والبرد والأمطار، الأمر الذي ساعد على الإفادة من هذه الباحات في تخزين البضائع.
وأضاف القساطلي: “خان أسعد باشا هو من الأوابد العمرانية التي تفوق نظائرها في جميع البلدان التي انتشرت فيها الخانات الإسلامية، أُنشئ عام 1159 هـ/ 1743 م، وانتهى بناؤه عام 1172 هـ /1756 م وهو ملك خاص لوالي دمشق وأمير محمل الحج الشامي “أسعد باشا العظم”، ثم انتقلت ملكيته فيما بعد إلى عدد من التجار، ثم استملكته مديرية الآثار والمتاحف بدمشق”.
يقع هذا الخان في سوق البزورية الشهير حيث باعة العطارة والسكاكر إلى جانب حمّام تاريخي أُنشئ في عهد نور الدين الزنكي. وتبلغ مساحة هذا الخان 2500 متر مربع، ويمتاز بأن “أسعد باشا” وظف لبنائه إمكانات تقاليد العمارة الفنية السورية آنذاك، حتى أن الشاعر والسياسي الفرنسي “لامارتين” عندما زار دمشق سنة 1833 م عدَّ هذا الخان أجمل خانات بلاد المشرق.
وقال “لامارتين” إن قبابه تذكره بفن عمارة البندقية في عصر النهضة الأوروبية، إذ يتميز بواجهة عريضة في وسطها بوابة ضخمة مزخرفة، يعلوها سقف مزخرف بقوسين بارزتين متشابكتين وفوقهما تجويف من المقرنصات تحيط به قوس مركبة من أحجار متشابكة مسننة بلونين أبيض وأسود متناوبين، وفوقهما نافذتان وعلى جانبي القوس من الأعلى نوافذ مستطيلة، ومن الأسفل فتحتان مزودتان بزخارف مميزة.
وفي واجهة البناء الجنوبية الغربية هناك 31 مخزناً، وبعد دهليز عريض يستوعب غرفتين للحراسة ومصعدي الدَرَجين ثمة باحة ذات فتحة سماوية دائرية توحي أنها كانت مغلقة بقبة، وفي وسط الباحة بركة مثمّنة، وجدران الباحة التي تشكل واجهات الغرف مبنية بالحجر الأسود والأبيض، وتحيط بالفتحة السماوية ثماني قباب تغطي الباحة عدا مركزها بمساحة 729 متر مربع.
يتألف هذا الخان من طابقين؛ الطابق السفلي يحوي واحداً وعشرين مخزناً أكثرها مزود بمستودعات، وفي القسم الشمالي الغربي مسجد صغير ينفتح إلى خارج الخان.
ويتألف الطابق العلوي من أروقة مشرفة على الباحة، وخلفها خمس وأربعون غرفة، وجناح للحمامات، والغرف جميعها مغطاة بقباب صغيرة، وذات أبواب ونوافذ ما زالت تحتفظ بأصالتها مع أقفالها.
وإن واجهة هذا الخان ومشهده الداخلي يثيران الإعجاب بروعة الزخرفة والتنسيق اللوني، مع دراسة رائعة للفضاء الداخلي.
يذكر أن الملوك والحكام وأهالي دمشق من أهل الخير اهتموا ببناء الخانات، سواء ما كان منها على الطرق العامة أم في المدن، لتبيت به القوافل وأبناء السبيل، وخصصوا لها جزءاً من أموال الوقف لصيانتها والإنفاق من ريعها على وجوه الخير، وعلى العاملين والقائمين عليها، فضلاً عن إيواء اليتامى والفقراء والغرباء والعميان…
بديع صنيج- تلفزيون الخبر