محليات

هل غادر “أبو طبلة” حارات دمشق؟

طبلة، عصا، مصباح، وصوتٌ صادح، هذا كل ما كان يحتاجه “أبو طبلة” لأداء مهنته على أكمل وجه، لا بل ويضاف إليها نفسٌ طيبة وروح دافئة ترافقها أبسط العبارات وأكثرها شعبية، لكنها بذات الوقت كانت تحمل وقعاً عميقاً لدى سكان الحي.

و لا يمكن أن يخفى على أحد من هو صاحب الطبلة والصوت والعصا إنه ” المسحراتي” أو “أبو طبلة” كما هو متعارف عليه بين عشاقه من الأطفال وسكان الأحياء التي يحيي لياليها الرمضانية بصوته.

فهل ولّت مهنة صاحب “اصحى يا نايم وحد الدايم، رمضان كريم”، بعد موجة التكنولوجيا التي اجتاحتنا في السنوات الاخيرة؟ وهل أصبح المسحراتي لايتعدى كونه طقساً رمضانياً لا أكثر في الوقت الذي كان فيه من مميزات الشهر المبارك في دمشق؟

المسحراتي الدمشقي بزيه التقليدي الذي كان يجوب أزقة دمشق نحو الساعة الثانية والنصف ليلاً، مدة تصل إلى الساعة أو الساعة والنصف قاطعاً مسافة، لا بأس بها لتذكير الناس بوقت السحور، تواجه مهنته اليوم تقنيات إيقاظ ذاتي، ليكون أحدثها سهرة لا تحتاج إلى موقظ.

أبو عصام مسحراتي دمشقي من منطقة باب سريجة منذ حوالي ثلاثين عاماً، يقول لتلفزيون الخبر “عن أبي ورثت هذه المهنة وأبي ورثها عن جدي عملنا بها، وكنت أنوي أن تنتقل لأحد أبنائي لكنهم عدلوا عن تلك الورثة”.

و يقول المسحراتي الدمشقي “اعتدنا طيلة شهر رمضان السهر لنكون في الوقت المناسب في الحارات التي كان يخصصها لنا المختار لنوقظ النائمين”.

وتابع “علينا استخدام جمل تحتاج إلى أصوات مرتفعة وأنفاس عميقة”، مضيفاً “ينبغي على كل مسحراتي أن يتمتع بنفس الميزة ليصل صوته إلى عمق البيوت، مترافقاً بطنين طبلة صغيرة قادرة على أن توقظ أي شخص”.

ويرى أبو عصام أن مهنته تحتاج بنية قوية، موضحاً أن “السير مسافة طويلة بين الحارات الشعبية الضيقة مع النداء على غالبية أصحاب المنازل، يلزمه قدرة على تحمل ضغط نهار شاق في عمله الأساسي، وهو موظف في بلدية المنطقة، وعدم نومه في الليل، ما يضاعف العبء عليه”.

وأوضح انه “يتشارك حوالى خمسة من المسحرين الآخرين”، لافتاً إلى أن “عمل المسحر هو أقرب إلى الهواية”.

و يتخوف ابو عصام دوماً من قرار رسمي من البلديات أو محافظة دمشق يمنع المسحّراتي من العمل بناء على تطور أدوات التنبيه الموبايل، الساعة…. ” وفق ما عرض لتلفزيون الخبر

و أضاف أبو عصام لم “تتوقف عملية الايقاظ أساساً على الأدوات الجديدة بل إن غالبية الناس لا تنام في شهر رمضان مع انصرافها إلى الجلسات العائلية أو متابعة المسلسلات”، وبالتالي تبقى مهنة المسحراتي روحانية يجب أن لا يؤثر عليها اي مستجد”.

أما أجر المسحراتي “لاحق الدفع” فهو يعطى أثناء جولة له على الناس في اليوم الأول من العيد، أو في آخر سحور من الشهر، والنقود ليست وحدها الجزاء المتوقع، فأحياناً يبادر الناس بإعطائه قطع الحلوى، بدلاً من المال، وفقاً لأبي عصام.

ويردف أبو عصام “رغم كونها غير مجدية ماديّاً، تبقى مهنة المسحراتي بالنسبة لي هي الأحب إلى قلبي، فضلاً عن الإحساس بالأمان الذي يشيعه مروره بالحارة”.

تقل اليوم نوعاً ما قرعات طبلة المسحراتي تزةمناً مع قرع طبلة الحرب في سوريا، لكن ذلك لم يمنع كثيرون من الحفاظ عليها دون أن يروا في أي دخيل أو عائق مانعاً لهم كي يمارسوا عشقهم لتراثهم، فطبلة أبو عصام كما قال ” قرعت في أول أيام رمضان وصدح صوته بعبارة “رمضان شهر الخير.. وسوريا بلد الخير …اصحوا يا أهل الخير”.

روان السيد – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى