نهضت من تحت الركام.. رواندا العدالة والتنمية بعد الحرب
أصبحت رواندا نموذجاً يُحتذى به في التنمية والشفافية بعد أن نفضت غبار الحرب والنزاعات الداخلية، إذ تمكّنت هذه الدولة الأفريقية الصغيرة من تحقيق تقدّم ملحوظ في فترة زمنية قصيرة، وتحوّلت إلى واحدة من أكثر الدول استقراراً ونمواً في أفريقيا.
ومن يتعمّق بتجربة رواندا قد يجد ثغرات وموانع عدة من استلهام تجربتها في بلاده، لكن الخطوط العامة لصورة رواندا ما بعد الإبادة تستحق التأمل، ليس فقط من الناحية الاقتصادية بل الاجتماعية كذلك.
تاريخ الصراع في رواندا
الحرب الأهلية الرواندية (1990 – 1993) أو ما يُعرف بالحرب القبلية بين التوتسي والهوتو، كانت صراعاً بين القوات المسلحة الرواندية الممثلة لحكومة رواندا، وبين الجبهة الوطنية الرواندية المتمردة (RPF).
اندلعت الحرب التي استمرت منذ عام 1990 وحتّى عام 1994 نتيجة للنزاع الذي طال أمده بين جماعات الهوتو والتوتسي من السكان الروانديين.
المصالحة والعدالة في رواندا
بعد انتهاء الصراع، شرعت رواندا في عملية مصالحة وطنية شاملة بهدف إعادة بناء الهوية الوطنية وتعزيز الوحدة بين مختلف الطوائف.
وتم إنشاء لجان الحقيقة والمصالحة لمحاكمة المسؤولين عن الجرائم وتقديم تعويضات للضحايا، مستوحاة من تجارب دول أُخرى مثل جنوب أفريقيا.
ونموذج المصالحة في رواندا يُعدّ مثالاً رائداً في كيفيّة تعامل المجتمعات مع تبعات النزاعات الأهلية وتحقيق السلام والوحدة الوطنية.
وتم تنفيذ هذا النموذج بخطوات عدة مثل إنشاء لجان الحقيقة والمصالحة، ومحاكم “الجاكاكا” (محاكم تقليدية لإحلال العدالة وإشراك الضحايا)، وبرامج إعادة الإدماج للجناة، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، إضافةً لتنفيذ مشاريع اقتصادية واجتماعية واسعة.
الدعم الدولي
تلقت رواندا دعماً كبيراً من المجتمع الدولي للمساعدة في جهود المصالحة وإعادة البناء، شمل المساعدات المالية والفنية والتقنية.
نموذج المصالحة في رواندا يُعدّ قصة نجاح في كيفيّة تحويل النزاعات والتحديات إلى فرص للسلام والتنمية، إذ ساعدت هذه الجهود المشتركة في بناء مجتمع أكثر تماسكاً واستقراراً.
التنمية في رواندا
وجّهت الحكومة الرواندية طاقتها نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال تنفيذ “رؤية 2020″، إذ حددت الحكومة أهدافاً واضحة تشمل تحسين التعليم والصحة وتطوير البنية التحتية.
ونجحت رواندا في زيادة متوسط دخل الفرد بشكلٍ ملحوظ، واحتلت مراكز متقدمة في مؤشرات التنمية الدولية.
مكافحة الفساد في رواندا
ارتبطت الإصلاحات الاقتصادية بجهود حثيثة لمكافحة الفساد، وتبنّت الحكومة سياسات “صفر تسامح” مع الفساد، وأطلقت مبادرات لتعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة.
وأكسبت هذه الجهود رواندا تقديراً دولياً، حيث حصلت على جوائز مثل “جائزة الشيخ تميم الدولية للتميّز في مكافحة الفساد” عام 2019.
شهادات دولية
أكّدت منظمات دولية مثل البنك الدولي ووزارة الخارجية الأمريكية على نجاح رواندا في تحقيق الشفافية ومكافحة الفساد.
واحتلّت رواندا مراكز متقدمة على مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، مما جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
وتعتبر تجربة رواندا في النهوض بعد الحرب نموذجاً يُحتذى به للدول التي تسعى لإعادة بناء نفسها بعد النزاعات، عبر التزامها بالمصالحة الوطنية والتنمية الشاملة ومكافحة الفساد.
الجدير ذكره أن رواندا أصبحت “أيقونة التنمية الأفريقية الحديثة”، إذ أثبتت أن الإرادة السياسية والرؤية الواضحة يمكن أن تحققا المعجزات حتّى في أصعب الظروف.
تلفزيون الخبر