صدمة ما بعد الانفصال العاطفي والفرق في آلية تخطّيه بين الرجل والمرأة
تنتهي بعض العلاقات العاطفية بالانفصال سواءً من قبل أحد الطرفين أو من كليهما معاً، وتختلف المشاعر بعد الانفصال وطرق التعبير عنها بين الرجل والمرأة .
وقال المدرّس خالد حمدوش، لتلفزيون الخبر، إنه “بعد الانفصال، يشعر الرجال بالغضب والإحباط أكثر من النساء، في حين أن النساء أكثر عرضة للتعرّف على مشكلات العلاقات ويجدن أنه من السهل أن يطلبن الدعم العاطفي من الأصدقاء والعائلة”.
وتابع “حمدوش” (أستاذ اللغة العربية)، إن “الرجال يجدون صعوبة في طلب المساعدة ويرجع ذلك إلى الوصمات المرتبطة بتعبير الرجال عن مشاعرهم أو كونهم أقوياء”.
وأضاف “حمدوش”، إنه “من جهة أُخرى سنجد أن النسبة تختلف بين الرجل والمرأة، ويعود ذلك إلى طبيعة العلاقة بالدرجة الأولى وإلى شدة الرابط بينهما، أو إذا ما كانت علاقتهما تحكمها ظروف صحيّة بطبيعة الحال”.
وحول آليات التخطّي، أجاب “حمدوش”، إن “الرجل يستطيع التخطّي ونسيان امرأة بامرأة إذا فعلت معه ما لم تستطع أن تفعله المرأة السابقة، عكس المرأة التي مهما حاولت فهي لن تنسى حبّها الأول، ولكن يمكن لها التجاوز أو محاولة النسيان إما بالتخطيط للسفر أو العمل أو حتى تربية الأولاد إن وجدوا”.
وبدوره عبّر مُعدّ البرامج والكاتب، رشيق سليمان، لتلفزيون الخبر، عن الفراق بقوله: “لا أعتقد أنه ثمّة أمرٌ أقسى من الفراق، لكن بما يخص الانفصال يكون المرء أكثر استعداداً له، فهو بطبيعة الحال قرار بين شخصين”.
وتابع “سليمان”، إنه “بالنسبة لي، يصبح الانفصال الحل الأمثل عندما تغلق كل الأبواب، وحتى لو استعد المرء له وهو من اتخذ القرار لا بدّ أن تكون هناك تبعات”.
وأكمل “سليمان”، إنه “بادئ الأمر ستلمس الفراغ الذي يحدثه الانفصال.. أي انفصال سيحدث فراغ، لكن هذا الفراغ سيتقلّص تدريجياً لأنك ستعمل على تعبئته”.
وحول شعوره بعد الانفصال، قال “سليمان”، إن “الشعور الوحيد الذي يرافقني أثناء الانفصال هو الدهشة، دهشة كيف للمرء أن يتأقلم، الموت مثلاً هو أقسى أشكال الانفصال ومع ذلك فإنك مع مرور الوقت ستتأقلم مع رحيل من تحب”.
ومن جهتها قالت الصيدلانية “شادية” (اسم مستعار)، حول تجربتها بعد الانفصال، إن “المشاعر تختلف حسب العلاقة وحسب كل شخص وطبيعته، فمنذ زمن كنت أظن الفتاة لا تتأثر بالانفصال والشاب يتعلّق أكثر”.
وتابعت “شادية”، إنه “بطبيعتي أتجاوز العلاقة بسرعة وأنسى سريعاً لكن تجربتي بعد فصل الخطبة من طرفي، أثّرت بشخصيتي كثيراً وتجاوزتها بصعوبة ومازلت حتّى الآن أشعر ببعض الذنب”.
وحول الأمور التي ساعدتها للتخطّي، أضافت الصيدلانية، إن “قناعتي الداخلية بأن العلاقة يجب أن تنتهي، وتقبّل الطرف الآخر لقراري، ورغم مرور أول يوم بصعوبة كبيرة بعد الانفصال إلّا أن وجود الأهل والأصدقاء ساعدني للتخطّي”.
وبيّنت “شادية”، إنه “بالعموم.. الشاب يتعلّق أكثر من الفتاة بالطرف الآخر، وتختلف المشاعر تبعاً لكل شخص فربما فتاة أُخرى تمر بنفس تجربتي لكن بمشاعرٍ ورأيٍ مختلف”.
من جهته، أوضح اختصاصي الصحة النفسية في كلية التربية بجامعة تشرين، الدكتور فؤاد صبيرة، لتلفزيون الخبر، إنه “تُعدّ تجارب الانفصال العاطفي وخاصةً تلك الناجمة عن العلاقات الرومانسية من التحديات الحياتية المعقدة التي يتعرّض لها الأفراد ذكوراً كانوا أو إناثاً، إذ تؤثر هذه التجربة الضاغطة بشكلٍ كبير على اختلاف المرحلة العمرية”.
وتابع “صبيرة”، إن “آثارها السلبية تزداد في مرحلة المراهقة والشباب مقارنةً بباقي المراحل الأُخرى، وينتج عنها ردود فعل سلبية، ويبقى الفرد خلال هذه الصدمة منشغلاً بكيفية التغلّب على آثارها السلبية ومشاعر الآلام النفسية المرافقة لها”.
وبيّن “صبيرة”، بقوله: للهرمونات أيضاً دور كبير في مسألة الألم العاطفي، إذ أن الفرد عندما يكون في حالة حب تكون لديه مستويات مرتفعة من الدوبامين والأوكسيتوسين المسؤولان عن الشعور بالراحة والسعادة، ولكن عند فقدان الحب أو التعرّض لصدمة أو ألم عاطفي يتم استبدال هذه المواد الكيميائية بهرمونات أخرى كهرمون الكورتيزول أو التوتر”.
وأشار “صبيرة” إلى أنه “على العموم تتأثر المرأة أكثر بتجربة الانفصال العاطفي مقارنةً بالرجل، إذ إنها تميل للعزلة ويقل تفاعلها مع الآخرين بشكلٍ واضح، ولكنها لاحقاً تتغلّب على الألم على عكس الرجل، حيث يستغرق ذلك معه وقتاً أطول، فالرجال قد يكونون أقدر على إدارة مشاعرهم أكثر من النساء كونهم يستوعبون هذه المشاعر بشكلٍ أبطأ”.
وذكر “صبيرة” رأي بعض الدراسات بقوله “أكّدت الدراسات أن الشباب هم أكثر غضباً وتوتراً، وأقل طلباً للمساعدة والمساندة الاجتماعية بالمقارنة مع البنات بعد تجارب الانفصال العاطفي، لأن المجتمع قد ينظر إليهم نظرة ضعف مثلاً إذا بكوا أو أظهروا الضعف وقلّة الحيلة”.
وأضاف “صبيرة”، إنه “علاوةً على ذلك أكّدت الدراسات ضمن هذا الميدان أن أغلب البنات تصبح أكثر ثباتاً وأكثر عاطفية، وذلك بعد الانفصال، إذ تعمل على التوقف عن التواصل مع الشريك القديم و تعمل على حذف الصور وإلغاء الصداقة.. على عكس الكثير من الشباب الذين يواجهون تناقضاً في التعامل، إذ يبقون على تواصل مباشر أو غير مباشر مع تجاربهم العاطفية السابقة”.
ولتجاوز الآثار السلبية لتجربة الانفصال، قال “صبيرة”، لتلفزيون الخبر، إنه “يجب على الفرد اتخاذ مجموعة من الخطوات أول هذه الخطوات هو العمل على تقبّل المشاعر العاطفية الجديدة المرتبطة بالانفصال والتي سببت الألم النفسي، إذ يمكن من خلال هذا الإجراء أن يقي الفرد نفسه من الكبت العاطفي بالإضافة إلى تفريغ المشاعر السلبية تدريجياً”.
والخطوة الثانية فهي “التفكير بشكلٍ عقلاني من أجل فهم وتعرف الأسباب التي أدّت إلى الانفصال، وهذا بدوره يتيح للفرد مساحة أفضل للتغلّب على الآثار السلبية المرتبطة بالانفصال”، وفقاً لـ”صبيرة”.
و “تكمن الخطوة الثالثة في تقديم الدعم والمساندة الاجتماعية من قبل الأهل والأصدقاء بهدف تخفيف المخلفات العاطفية المتراكمة لدى الفرد من جهة، وتوجيه تركيزه وانتباهه لتبني أفكار وسلوكيات جديدة وتعزيز الثقة بالنفس لديه من جهة أخرى”.
ولفت “صبيرة” لخطوة أساسية في التخطّي وهي “تعزيز الاهتمام والعناية بالذات لدى الفرد، لكي يعود ويشعر بقيمته من جديد، ومن أشكال هذا التعزيز الاهتمام بالنفس والاسترخاء والرياضة وسماع الموسيقى والتكيّف مع الواقع و التنزه وملىء أوقات الفراغ.. الخ”.
وأردف “صبيرة”، إن “الخطوة الخامسة هي الابتعاد عن أي علاقات رومانسية قريبة المدى، لأن الانخراط في هكذا علاقات جديدة وبسرعة قد تؤثر وبشكلٍ كبير جداً على منظومة اختيار الشريك المناسب، إذ إن هكذا قرار قد يكون شكل من أشكال الانتقام المبطن غير المدرك”.
وتابع “صبيرة”، إن “الخطوة السادسة والأخيرة مرتبطة بتبنّي الفرد أفكار أكثر تفاؤلية والتخطيط للمستقبل بنظرة أكثر شمولية، ممّا يحقق التوازن والاعتدال بحكم الخبرات المتراكمة، ممّا ينعكس مستقبلاً على قدرته على اتخاذ القرارات وتحمّل المسؤوليات، خاصةً في الميدان العاطفي”.
وفي الختام يمكن القول، إن “خبرة الانفصال العاطفي ليس اضطراباً، بل هي حالة طبيعية يعيشها معظم الناس ويمكن تجاوزها بسهولة، وهي تجربة من إحدى تجارب الحياة تمر وتتلاشى آثارها مع مرور الوقت”، وفق الاختصاصي.
بشار الصارم – تلفزيون الخبر