محليات

هل تقف مديرية أوقاف حلب عائقاً في وجه ترميم أسواق حلب القديمة.. بقلم المحامي علاء السيد

تعود ملكية قسم كبير من أسواق حلب القديمة إلى مديرية أوقاف حلب، وقسم آخر متبقي هي ملكيات خاصة لعائلات قديمة تعدد وارثيها حالياً وتعذر جمعهم.

وكان الأثرياء قديماً يبنون جوامع وملحقات خيرية كالمطابخ المجانية والمدارس وغيرها ويخصصون لها عقارات تؤجر للإنفاق من ريعها على هذه الفعاليات الخيرية وهو ما يسمى الوقف الخيري الذي تديره مديرية الأوقاف حالياً، ويزيد عدد هذه العقارات في محافظة حلب وحدها على الخمسة آلاف عقار.

بالإضافة لتخصيص هؤلاء الأثرياء عقارات يعود ريعها لذريتهم بما يسمى الوقف الذري الذي تم الغاؤه في عام 1949، وعادت الملكية لورثتهم مباشرة، ولكن لمرور مئات السنين على الوقف صار هؤلاء الورثة المالكين بالعشرات بل بالمئات و تفرقوا وتعذر جمعهم.

وبما أن مديرية الاوقاف بصفتها الجهة المالكة للأوقاف الخيرية في هذه الأسواق، كانت تقوم بجباية عائدات إيجارها وهي مبالغ كبيرة يتم تحويلها إلى الميزانية العامة لوزارة الاوقاف.

وتنحصر مهمتها فعلياً في الإشراف على إدارة الجوامع والمساجد الأثرية المتواجدة ضمن هذه الأسواق وأحياناً كانت تقوم بترميمها على نفقتها، ولكن كانت المهام الفعلية لمديرية الأوقاف تجاه الأسواق والمحلات التجارية هي ضبط عملية تأجيرها وجمع عوائد إيجارات هذه المحلات التي يتناقل التجار ويشترون ويبيعون حقوق استثمارها فيما بينهم، ويدفعون ما عليهم تجاه مديرية الاوقاف المالكة لهذه المحلات.

وعلى اعتبار أن مديرية الأوقاف حريصة على جمع أكبر دخل ممكن من بدلات الإيجار، فكانت لا تمانع عبر عشرات السنين السابقة عمليات تقطيع وإنشاء المزيد من المحلات ضمن الأسواق والخانات حتى لو خالفت هذه المحلات النظام العمراني لمبنى الوقف الأثري، بل أدت غالباً إلى تشويهه بإضافة البراكات التي تحولت تدريجياً إلى محلات.

مما أدى إلى ظهور محلات مضافة ببناء مخالف لأصل بناء هذه الأمكنة الأثرية، وتحولت بحكم الواقع إلى مخالفات شبه مرخصة تؤجرها مديرية الأوقاف أيضاً ويتداول حق استثمارها التجار.

واشتهرت قديماً قصة دورات المياه العامة التاريخية في أسواق المدينة التي تحولت إلى محلات تجارية تم تأجيرها، كانت مديرية الأوقاف مستعدة لتأجير أي شيء.

وهذه الإضافات المخالفة كانت تشوه بشدة هذه الأمكنة الأثرية وتغطي معالمها، وتحولت البراكات والدرابيات المعدنية تدريجياً الى جدران مبنية وفرضت نفسها كمحلات مخالفة لا يمكن إزالتها.

وبذلك تحولت وظيفة مديرية الأوقاف من المحافظة على الوقف بجماله الأثري والتاريخي كما بناه الواقف إلى مستثمر لا يبغى سوى الربح من التأجير على حساب العقار الوقفي.

وبعد الدمار الذي حل بأسواق المدينة القديمة وبدء عمليات الترميم الفردية التي يسعى إليها التجار حالياً لتأمين عودتهم إلى محلاتهم والنهوض بهذا السوق التجاري الحي، وعلى الرغم من أن مديرية الأوقاف لا تقوم بسداد قيمة مصاريف الترميم التي نص قانون الأثار على وجوب قيامها بسداد نصف تكلفتها، المديرية حالياً تعطي المستأجر موافقة على الترميم بعد اشتراط أن لا يعود عليها بأي نفقة، خلافاً للقانون الصريح والواضح الذي يوجب على المديرية سداد نصف النفقات .

وظهرت إشكالية كبيرة حالياً، فمن كان محله مخالفاً ومضافاً الى البنية الأصلية للمعلم الأثري، ومخالفته هذه قد تكون بعمر يزيد على عشرات السنين، أو قد يكون المستثمر الحالي للمحل قد اشتراه ودفع فيه مبالغ كبيرة قبل بدء الحرب، وقد تدمر هذا المحل المخالف حالياً وبدأت عملية الترميم التي ينص قانون الأثار بخصوصها على عدم إعادة البناء المخالف في حال زواله، أي من تهدم محله وكان مخالفاً فلا يجوز ترميمه.

وبالتالي خسر اصحاب هذه المحلات المخالفة محلاتهم ولا يجوز إعادتها، فما هو الحل؟، هل نستغل فرصة زوال المخالفة ولا نسمح بإعادة بنائها تحت إسم الترميم وبذلك نتخلص من مخالفات مزمنة ؟.

هذا الأمر سينعكس إيجاباً على إعادة الأماكن الأثرية والخانات إلى وضعها الاصلي عند بناءها، قبل أن تضاف إليها الأبنية المخالفة المشوهة وهو حلم لكل مهتم بآثار المدينة.

ولكن ماذا سيحل بالتاجر الذي سيُمنع من إعادة ترميم محله المخالف وبالتالي سينقطع رزقه؟ ونحن الذين ندعو يومياً إلى إعادة عجلة الإقتصاد إلى مدينتنا المنكوبة، وهل ستقف مديرية الاوقاف إلى جانب الجانب التاريخي والأثري من الإشكالية فتمنع إعادة المخالفات؟.

أم ستقف إلى جانب مصلحتها بجباية المزيد من بدلات الإيجار على حساب آثارنا وبالتالي تشجيع عودة المحلات المخالفة المؤجرة؟.

الحل بكل بساطة هو تعويض أصحاب هذه المحلات المخالفة بمحلات جديدة في أسواق جديدة تقيمها مديرية الاوقاف على أراضيها الوقفية الشاسعة بحلب، وبذلك يعود العقار الوقفي الأثري خالياً من المخالفات التي شوهته ولا يضيع حق التاجر صاحب المحل المخالف.

فهل توجد هذه النية لدى مديرية الاوقاف؟ أم ستكتفي بالدور السلبي بترك أمور الترميم على عواهنها والإكتفاء بالسعي للجباية المالية بكل أشكالها دون القيام بالدور الأساسي لمديرية الأوقاف وهو الحفاظ على الوقف؟.

المحامي علاء السيد – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى