عربة بدولابين تحمل أضعاف وزنهم.. أطفال سوق هال دمشق “عتّيلة”
بحبل يلفّه حول كتفه ويدين يمسك بهما قبضتا عربة، ينقل محمد نور (16 عاماً) الخضار التي يصل وزنها إلى أكثر من طون أحياناً (1000 كيلو) تحت المطر المنهمر ليجني قوت يومه.
وبتسع ساعات عمل يومياً، تستمر حتى الساعة الثانية ليلاً، يغادر بعدها إلى منزله لينام بعمق، كطفلٍ حقيقي، لكن بعد يومٍ شاقّ نقل فيه ما يتراوح بين 5 و20 حملاً من الخضار المتنوعة في سوق الزبلطاني بدمشق”، يسرد “محمد” روتينه اليومي.
يستعرض الطفل المعيل لأهله متعاوناً مع أربعة أخوة يعملون جميعهاً في السوق، ما راكمه من معرفة لتلفزيون الخبر: “يوجد نوعان من العربات، الصغيرة والكبيرة (الكراجية)، حيث كنت أعمل على الكراجية لكن أجارها ارتفع لل 12 ألف ليرة يومياً لمدة تسع ساعات، كما أنها تحمل أوزاناً ثقيلة متعبة”.
“محمد” المنحدر من الشمال السوري يتابع وصف حال يومه بالقول: أعمل حالياً على العربة الصغيرة يبلغ آجارها 7 الآف يومياً، وأنقل مابين 5 و15 نقلة حسب الشغل، وتختلف يوميتي تبعاً للنقلة وأهواء الزبون حيث تتراوح بين 2 و3 الآف ليرة للنقلة الواحدة مقطوعة بغض النظر عن وزنها والمسافة الواجب قطعها”.
متنهّداً بعمق بعد الانتهاء من إفراغ حمله في سيارة أحد الزبائن، واضعاً يديه على خصره النحيل يقول الطفل: “يصل وزن الخضار المحملة في العربة الكبيرة إلى 700 كيلو وأحيانا الطون، والعربة الصغيرة تحمل وزناً يصل إلى 300 كيلو”.
“بعض الزبائن (أصحاب المحلات)، تأخذني منذ بداية رحلة شرائها في السوق، بين سحارة بطاطا هنا وسحارة كوسا هنالك وآخرى باذنجان، حتى تنتهي من كامل بضاعتها، وفي آخر الرحلة عند مطالبته بالأجرة، يرمي ألفي ليرة بوجهي ويغادر”.
وتصل يومية “محمد” أحياناً إلى 30 الف ليرة، بحسب قوله، مضيفاً أنه ربما يعود للمنزل خالي الوفاض رغم محاولاته الكثيرة إيجاد زبون واحد ينقل له الخضار، ليعوّض خسارته 7 الاف ليرة هو أجار العربة الصغيرة من المتعهد الوحيد الموجود في السوق.
وبينما يجر “طارق” (30 عاماً) عربته الكبيرة المحملة بعشر أكياس بطاطا وبضع أكياس من الكوسا، يعيد لتلفزيون الخبر ما قاله “محمد” مع اختلاف بسيط بالأرقام، يرجع لاختلاف الأحجام: “أستأجر هذه العربة يومياً بمبلغ 12 ألف ليرة من المتعهد لمدة تسع ساعات، وتختلف أجرتي حسب الزبون لكن لا تقل عن 5 الآف ليرة للنقلة الواحدة”.
“طارق” العامل في السوق منذ عامين وتختلف يوميته تبعاً لعدد النقلات وازدحام السوق بالزبائن، حاله حال الجميع هناك، يصل دخله إلى 50 ألف ليرة يومياً لقرابة تسع ساعات عمل في أفضل حالاته، بعد خصم أجار العربة من المتعهد في الساحة، يقول أن بعض أصحاب المحلات يفضّل الأطفال لسهولة “الضحك عليهم”.
“كلهن بخلا وكلهن ما بيقدروا التعب بس إلنا الله”، يصف أحد “العتالة” الأطفال أصحاب المحلات، ويجر عربته الصغيرة مكملاً جولته في سوق لا يوجد فيه مكان مخصص للعتالين، بالرغم من كونهم عصباً رئيسياً في عمله.
ومع غياب جهة تمثّلهم أو تنظم عملهم، صغاراً وكباراً، يعتمد عمل “العتيلة” على التقاط الزبائن لحظة دخولهم السوق أو عند أول عملية شراء لهم من أحد المحلات، فيقضون وقتهم متجولين بحثاً، أو متجمعين استناداً على حائط ارتكازي احتماء من البرد والصقيع شتاء، وقد يجد بعضهم لحظات دفء مسروقة متسربة من مدافئ بعض أصحاب المحلات.
وبعيداً عن مكان وقوف “محمد” المتسرّب من المدرسة منذ 8 سنوات، تركض مجموعة من الأطفال بعربة فارغة، فيما يجر آخران لا يتجاوز مجموع وزنيهما معاً ال 60 كيلو غراماً، عربة ممتلئة محملة بوزن يصل إلى 300 كيلو.
يرفض الطفلان التوقف والحديث، ورغم تكرار المحاولات يُصرّ معظم أطفال السوق من “العتيلة” على الاكتفاء بطأطأة رؤوسهم رداً على السؤال حول أعمارهم أو تحصيلهم الدراسي، منصرفين للعمل أو مبتعدين فقط، وفيما يقول أحدهم “شو بدك بعمري هلا صار الحِمل عالعمر”!! يدير ظهره رامقاً السائل بنظرة استخفاف.
بشار الصارم – تلفزيون الخبر