أطفال يجمعون النايلون ويحرقون “المريول المدرسي” عوض ارتدائه استعداداً للشتاء
انشغل السوريون، بداية الشهر الجاري، وعلى امتداد المحافظات بتجهيز أطفالهم بجميع اللوازم المدرسية من القرطاسية والثياب وغيرها.
وشكل منظر عودة مئات الآلاف من الطلاب إلى مدارسهم الصورة الأكثر تداولاً على منصات التواصل الاجتماعي في البلاد، شعبياً ورسمياً.
إلا أنه وعلى النقيض من هذه الصورة، بقيت فئة من الأطفال بعيدة عن الضوء والمتابعة والاهتمام، وهي التي دفعت قسرياً إلى الغياب عن متابعة تحصيلها العلمي لظروف ذويها المادية الصعبة.
ففي ظل شح المحروقات وأهمها مادة مازوت التدفئة وتناقص الكميات التي يحصل عليها أغلب المواطنين إلى 50 لتراً فقط، قررت الكثير من الأسر الفقيرة في مختلف المحافظات الاستعاضة بالمخلفات الصناعية القابلة للاشتعال، كالبلاستيك والنايلون والكرتون.
وقد لا يدرك الأطفال -عكس ذويهم- خطورة استنشاق الأبخرة الناجمة عن حرق هذه المواد على صحتهم وصحة عائلاتهم، إلا أن توفرها ومجانيتها دفعتهم جميعاً إلى جمعها واستخدامها كبديل مجاني عن قلة المازوت، وارتفاع سعر الحطب الذي وصل سعر الطن منه إلى مليونين ونصف ليرة.
وبات مشهد انتشار الأطفال مألوفاً في أزقة وشوارع مدينة حمص، وهم يجمعون المواد القابلة للحرق بجانب الأرصفة ومن حاويات القمامة، طمعاً بتأمين الدفء خلال أشهر البرد القارس في المحافظة الوسطى المشهود لها بقساوة شتائها.
“مشان نتدفى”، هو الجواب الأوحد بين الأطفال الذين توجه إليهم تلفزيون الخبر بالسؤال عن سبب تركهم للمدرسة وجمعهم لهذه المواد، في حين كان القلق والتوجس ردة فعل ذويهم مع إجابات مقتضبة توحي بالجواب، وهو ضعف القوة الشرائية اللازمة لشراء المازوت الحر أو الحطب.
وقال أحد الشبان المرافقين للأطفال في حي المهاجرين إن: “نسبة كبيرة من الأطفال الفقراء تركت المدارس وتوجهت للعمل رغم صغر سنهم، وخصوصاً ممن يعاني ذويهم من أمراض وإصابات جسدية تمنعهم من العمل”.
وأضاف الشاب لتلفزيون الخبر: “نخرج بشكل أساسي خلال شهر أيلول لجمع تلك المواد على” البسكليتة” لجمع أكبر كمية ممكنة، واستخدامها مع بدء الشتاء بعد تحويل “صوبيا” الحطب إلى محرقة بلاستيك تبعث الدفء في أرجاء المنزل.
من ناحية طبية، بين أخصائي الصدرية الدكتور بشار حسن لتلفزيون الخبر أن: “الأبخرة والأدخنة الناجمة عن حرق المواد سريعة الاشتعال، وعند خروجها من”بواري الصوبيا” إلى درجات حرارة باردة، فإنها تتحول إلى غازات سامة جزئيات صلبة تنتشر في الهواء”.
وبين “حسن” أن “هذه السموم تسبب مشاكل في الجهاز التنفسي و خصوصاً على الرئتين عند الأطفال، حيث أن دخول الجزيئات البلاستيكية الصلبة إلى المجرى التنفسي، سيؤدي إلى انسداد الحويصلات الهوائية في الرئتين، ولاحقا سيؤدي لحدوث حساسيةو خلل في دخول الأوكسجين إليها”.
وأشار “حسن” إلى أن: “التعرض إلى هذه السموم لفترة طويلة و على المدى البعيد سوف يؤدي لحصول حالة احتشاء رئوي، ومن ثم انتفاخ وضعف في عمل الرئة، ما يكون سببا رئيسيا للإصابة بالأورام السرطانية القاتلة”.
يشار إلى أن نقص مازوت التدفئة، واقتصاره على 50 لتر فقط كدفعة اولى، يترافق مع سوء واقع التغذية الكهربائية بما لا يتجاوز نصف ساعة وصل مقابل خمسة ونصف قطع.
ولا بد من الإشارة إلى أن شح كميات مازوت التدفئة المدعومة حكوميا ً يتزامن مع تضاعف أسعار المازوت الحر المتوفر بكثرة على الطرقات، ووصول سعر اللتر إلى 15 ألف ليرة.
الجدير بالذكر أن بعض سكان المحافظة اتجهوا منذ عدة سنوات للحلول التراثية، ومنها استخدام ما يسمى” قرفوش الجلة” عبر جمع روث البقر ويضاف إليها التبن ليتم بعدها صنع المادة بشكل دائري أو مستطيل، في واقع متردٍ لا يبدو مختلفاً كثيرا ً عن “القرفوش”.
عمار ابراهيم _تلفزيون الخبر