غيّرت وجه المنطقة.. 33 عاماً على حرب الخليج الثانية
لم يكتفي دُعاة مشروع “الشرق الأوسط الجديد” في واشنطن بما فعلته الحرب العراقية الإيرانية في المنطقة، فبعد حرب 8 سنوات بين البلدين زاد ضحاياها عن المليون بين قتيل وجريح، عدا عن التدمير الهائل في العمران رأت الولايات المتحدة أن تطبيق مشروعها لم يصل لغايته بعد.
وسعت لاحقاً لإشعال فتنة جديدة في المنطقة العربية تكون معبرها لتواجد عسكري دائم، تتحكم من خلاله بمقدرات العرب وتقطع بها أشواطاً على طريق تنفيذ مشروعها الهادف لتقسيم الشرق الأوسط ووضعه تحت الولاية الأميركية، وهو ما تجلى في تفاصيل غزو العراق للكويت، أو ما يٌعرف بـ “حرب الخليج 2”.
أصل الحكاية..
ادعت الحكومات العراقية تاريخياً تبعية دولة الكويت للعراق، بحجة أن الاستعمار الغربي قام بسلخ الكويت عن العراق بالاتفاق مع السلطنة العثمانية، وهو ما حاول الزعماء العراقيين إثارته مرات عدة كالملك غازي بن الحسين 1935 والرئيس عبد الكريم قاسم 1961 وصدام حسين 1990.
أسباب الغزو العراقي للكويت
خرج النظام العراقي من حرب “الخليج الأولى” مُدمراً ومثقلاً بالديون، وكانت الكويت من أهم الدول الداعمة له خلال الحرب، حيث وصل حجم المساعدات الكويتية إلى 14 مليار دولار أميركي، وكان النظام العراقي يأمل بتسديد ديونه عبر رفع أسعار النفط بواسطة تقليل نسبة إنتاج منظمة “أوبك”.
واتهم النظام العراقي الكويت والإمارات بالتلاعب بأسعار النفط ورغم تعهد الكويت والإمارات في حزيران 1990 بالالتزام بحصص الإنتاج، إلا أن النظام العراقي لم يتوقف عن كيل الاتهامات للكويتيين بالتنقيب عن النفط بحقل “الرميلة” المشترك بين البلدين بطرق غير شرعية.
وطالب رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين كل من السعودية والكويت بالتفاوض على الديون أو إلغاءها، وتقديم منحة للعراق قيمتها 10 مليار دولار، وتأجيره جزيرتين كويتيتين، وذلك بحجة أن العراق قاتل إيران دفاعاً عن الخليج بأكمله، ووافقت الكويت والسعودية على دفع المنحة بشرط قيام النظام العراقي بترسيم الحدود مع الكويت.
الموانئ وخديعة السفيرة الأميركية
فقد العراق خلال حربه مع إيران الموانئ البحرية المطلة على الخليج العربي ما شل حركة تصدير النفط لديه، الأمر الذي جعله يرى في موانئ الكويت فرصة حقيقية لإنعاش نظامه المتهالك اقتصادياً.
والتقى رئيس النظام العراقي في 25 حزيران مع السفيرة الأميركية في بغداد “أبريل غلاسبي” والتي أوحت لصدام حين سؤاله عن موقف أميركا من غزو الكويت، أن “الولايات المتحدة ليس لها رأي بشأن صراع عربي-عربي”.
غزو الكويت..
بدأت القوات العراقية فجر 2 أب 1990 باختراق الحدود الدولية باتجاه مدينة الكويت، وتوغلت المدرعات والدبابات العراقية في العمق الكويتي، وقامت بالسيطرة على المراكز الرئيسية في شتى أنحاء البلاد ومن ضمنها العاصمة.
وتم اعتقال الآلاف من المدنيين الكويتيين، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الأجانب الذين كانوا موجودين في ذلك الوقت والذين تم استعمالهم كرهائن لاحقاً، كما تم تنفيذ عمليات إعدام ميدانية، إضافة لسرقات المواد الطبية والغذائية ونقلها للعراق.
الرواية العراقية
زعم النظام العراقي أن انقلاباً حصل بالكويت عبر ضابط كويتي اسمه علاء الحسين الذي ترأس ما سُمي جمهورية الكويت ما بين 4 و8 أب، وبعد ذلك أعلن العراق أن الكويت هي المحافظة 19 وعين عزيز صالح النومان محافظاً للكويت.
ردود الأفعال الدولية
أقر مجلس الأمن خلال اجتماعه الطارئ بطلب كويتي أميركي القرار /660/ والذي شجب خلاله الغزو العراقي للكويت وطالبه بالانسحاب الفوري.
وبالمقابل ارتفعت مخاوف السعودية من امتداد الغزو العراقي لأراضيها، في حين أضاف رأس النظام العراقي صدام حسين عبارة “الله أكبر” على العلم العراقي في محاولة لإضفاء طابع ديني لغزوه ولكسب المعارضين للسعودية.
الموقف العربي
تباينت مواقف الدول العربية من غزو الكويت والدعوة لصد العراق عسكرياً، حيث أعلن الاردن واليمن وقوفهما لجانب النظام العراقي، وتحفظت الجزائر وتونس ومنظمة التحرير الفلسطينية وموريتانيا والسودان وليبيا، بينما ساندت سوريا والسعودية والإمارات والبحرين وقطر وعمان ومصر والمغرب.
الموقف السوري
انضم الجيش العربي السوري لقوات التحالف الدولي المشاركة في عملية تحرير الكويت من الغزو العراقي في أب 1990.
حيث شارك 14300 مقاتل سوري في العمليات، لكن تحت شرط أن تكون القوات السورية تحت إدارة قيادة عربية مشتركة لا قيادة أميركية ولحماية السعودية، واستمرت القوات في المشاركة حتى نهاية الحرب.
عملية “درع الصحراء”
بدأت الحشود العسكرية من 34 دولة بالتواجد على الحدود السعودية بهدف حمايتها يوم 7 أب، حيث أُطلقت عملية “درع الصحراء” التي استمرت حتى 15 كانون الثاني 1991، وصدر خلالها قرار مجلس الأمن /678/ الذي يُحدد موعداً نهائياً للعراق بالانسحاب من الكويت وهو 15 كانون الثاني 1991.
عملية “عاصفة الصحراء” أو “أم المعارك”
بدأت في 16 كانون الثاني حتى 28 شباط 1991 عملية “عاصفة الصحراء” أو كما أسماها النظام العراقي “أم المعارك”، حيث انطلقت العمليات الجوية من قِبل قوات التحالف ضد العراق، والتي أسفرت عن تدمير هائل في البنية التحتية العراقية وسلاح الطيران ومنظومة الصواريخ في الجيش العراقي.
وحاول نظام صدام حسين استمالت الرأي العام العربي عبر استهدافه في 13 شباط ب7 صواريخ “سكود” كيان الاحتلال في محاولة منه لإعطاء نفسه مد قومي وجر الاحتلال للحرب، خصوصاً وأنه اشترط لانسحابه من الكويت أن ينسحب الاحتلال من فلسطين ليكون بذلك ساوى بين تصرفه وتصرفات الكيان.
وأُجبر النظام العراقي نتيجة الخسائر المتلاحقة على القبول بمبادرة سوفيتية في 22 شباط للانسحاب من الكويت خلال 3 أسابيع بإشراف أممي، لكن الولايات المتحدة لم تقبل بذلك وبدأت العملية البرية التي انتهت في 27 شباط بتحرير الكويت وهزيمة الجيش العراقي.
خسائر الحرب على العراق
خسر العراق بحسب التقارير حوالي 100 ألف جندي و30 ألف أسير، بالإضافة إلى تدمير 4 ألاف دبابة و3100 قطعة مدفعية و1856 عربة لنقل القوات و240 طائرة.
علاوة على عدم وجود إحصائيات دقيقة لعدد الوفيات بين المدنيين، إلا أن الأرقام تراوحت بين عشرات الآلاف و200 ألف ضحية، إضافة لعقوبات اقتصادية جائرة طالت الشعب العراقي.
الجرائم الأميركية
كانت حرب “الخليج الثانية” هي أول حرب يتم نقل مجرياتها عبر وسائل الإعلام العالمية، وحاول الأميركيون الاستفادة من ذلك لتنظيف صورتهم ومسح تاريخ الإجرام الذي لاحقهم منذ حرب فيتنام.
لكن كل المحاولات الأميركية باءت بالفشل مع قيام الطيران الأميركي باستهداف المدنيين العراقيين بالقنابل الذكية والعنقودية واليورانيوم المُنضب مرات عدة، وأشهرها استهداف “ملجأ العامرية” الذي راح ضحيته 400 مدني عراقي جلهم من الشيوخ والنساء والأطفال.
يذكر أن غزو نظام صدام حسين للكويت يُعد أهم أسباب التواجد الأميركي العسكري المكثف في المنطقة العربية، إضافة لكون هذا التصرف جر ويلات على الأمة العربية كافة لجهة اشغالها عن مواجهة الكيان وعلى العراق بشكل كبير، حيث أفقده كل قواه لمواجهة أي عدوان لاحق كما حصل في 2003.
جعفر مشهدية- تلفزيون الخبر