سناء محيدلي “عروس الجنوب”
“أحبائي إن الحياة وقفة عز فقط أنا لم أمت بل حية بينكم أتنقل .. أغني .. أرقص .. أحقق كل آمالي .. كم أنا سعيدة وفرحة بهذه الشهادة البطلة التي قدمتها”، هي ذي كانت كلمات من وصية الشهيدة ذات الـ 17 عاما سناء محيدلي.
قبل ظهر الثلاثاء يوم 9 نيسان في عام 1985 وعلى حاجز باتر – جزين في الجنوب البناني المحتل أنذاك، دوى انفجار كبير، قتل على إثره عدد من جنود الاحتلال “الاسرائيلي”، ساعات قليلة ويتضح المنفذ، سناء محيدلي أو بحسب ما أوصت به قبل عمليتها أن تسمى “عروس الجنوب”.
ولدت الشهيدة محيدلي في قرية عنقون في صيدا في جنوب لبنان، في 9 نيسان لعام ، وتربت في بيت أبيها يوسف توفيق محيدلي بعد وفاة والدتها وهي في عمر الثالثة، ولها من أبيها 3 أخوة.
ودرست سناء محيدلي في مدرسة السريان في منطقة المصيطبة، ثم تركت المدرسة وعملت في محل لتأجير أفلام الفيديو، وهناك سجلت الشهيدة وصيتها المصورة، حيث ظهرت بالثياب العسكرية وبابتسامة الشباب المقبل على عمل سيتذكره الجميع، حسب ما نقلت وسائل اعلامية عن كلام محيدلي قبل أيام مع أهلها.
وفي لقاء مع صاحب محل التسجيلات، فؤاد حبيب، قال عن سناء بأنها “دائماً ما كانت تقول أنها ستنفذ عملية للجنوب”، فهي ابنته، وتأثرت بحسب حبيب، بعملية الشهيد وجدي الصايغ، “حتى أنها كانت عندما تسجل أي شريط جديد لمقابلته الأخيرة قبل تنفيذه لعمليته، كانت تذرف الدموع”.
“سأكون كالشهيد وجدي، وسوف أخلد اسمي”، هذه الكلمات التي رددتها سناء محيدلي لفؤاد حبيب، الذي أكد أنه وبسبب تردد السوريين القوميين الاجتماعيين إلى المحل، أصبحت سناء على علاقة وثيقة بهم، فزادت من قرائتها للكتب القومية، وعملت على تثقيف نفسها أكثر من ذي قبل، بعد تأثرها بعملية الشهيد وجدي، ونقل حبيب عن الشهيدة أنها طلبت من زوجته الحامل حينها أن تسمي مولودها في حال كان أنثى “سناء”.
خرجت سناء محيدلي من بيتها يوم 24 آذار بحجة أنها تريد شراء طلاء للأظافر واختفت، وطوال تلك الأيام كانت تحضر للعملية التي نفذتها يوم 9 نيسان، بسيارة بيضاء من نوع بيجو 504 محملة بـ 200 كيلو غرام من مادة “T.N.T” شديدة الانفجار.
وأصدرت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي كانت تضم أحزاب وفصائل المقاومة اللبنانية في وجه الاحتلال “الاسرائيلي”حينها المعروفة باسم “جمول”، بياناً تبنت فيه عملية الفتاة ذات الـ 17 ربيعا، سناء محيدلي.
وجاء في البيان “الساعة الحادية عشر صباحاً من يوم الثلاثاء 9/4/1985 أنه “قامت إحدى مناضلاتنا الرفيقة الشهيدة سناء محيدلي بعملية استشهادية استهدفت تجمعاً لقوات العدو على طريق باتر – جزين حيث كانت تتجمع اعداد كبيرة من الشاحنات والدبابات والآليات المجنزرة والعديد من المشاة المنسحبين من تلال الباروك ونيحا، وذلك باقتحامها القوة العسكرية للعدو الصهيوني بسيارة بيجو 504 مجهزة بـ200 كلغ من مادة ت.ن.ت الشديدة الانفجار”.
وفي مساء نفس اليوم بثت إحدى القنوات التلفزيونية اللبنانية التسجيل المصور للبطلة سناء محيدلي الذي صورته في محل تأجير الفيديو، وفيه وجهت سناء رسال لأهلها ولكل المقاومين والشهداء بلال فحص والشيخ راغب حرب والشهيد وجدي الصايغ، كما وجهت التحية للرئيس السوري حينها الراحل حافظ الأسد.
وخصت الشهيدة أهلها بثواني قالت فيهم “أقول لأمي أن تسامحني وتترحم علي، لأنني ذهبت من دون أن أودعها، وأنت يا أمي علمتني أن أحب، وأن أضحي من أجل بلادي، وها أنا أحب شعبي، وأضحي بحياتي من أجل بلادي، وإلى أبي أقول إنني تركت رسالة لك وكل ما أطلبه منك أن تزفني من دون أن تحزن أبداً، وبالعكس، أريد منك أن ترقص لي يا أبي، وأن تقول أنا أبو الشهيدة، فأنا سأنضم إلى تراب الجنوب”.
وتركت الشهيدة أيضاً رسالة خطية لوالدها، طالبة منه السماح لأنها خرجت من دون وداعه، قائلة أنها لم تذهب لتتزوج أو تعيش مع أحد، بل ذهبت للشهادة الشريفة الباسلة السعيدة، وطلبت أن تكون وصيتها، أن يطلق عليها إسم “عروس الجنوب”.
وسميت كما أرادت الشهيدة بـ “عروس الجنوب”، وأطلق اسمها على شوارع في كل من دمشق وحلب في سوريا، وفي اليمن على حديقة عامة في مدينة تعز، وفي ليبيا في مدينة مصراته، ولكن في بلدها سناء وحتى اللحظة لم يكلف أحد نفسه بتسمية شارع أو حتى حي باسمها، كليمونصو وديغول وغيرهم يبدو بنظر سياسيي لبنان أحق من “عروس الجنوب”.
وظل جثمان “عروس الجنوب” في يد قوات الاحتلال “الاسرائيلي” حتى عام 2008 حين تمت صفقة تبادل بين المقاومة الاسلامية حزب الله وبين قوات الاحتلال، لتزف الفتاة ذات الـ 17 ربيعا مع صورها المرفوعة في كل مكان بابتسامتها اللطيفة أخيراً، يوم 26 تموز زفت “عروس الجنوب” شهيدة إلى مسقط رأسها في بلدة عنقون في صيدا.