ما حقيقة أن الحيوانات تتنبأ بالزلازل قبل حدوثها؟
عند حدوث أي زلزال حول العالم، يعود التساؤل بشأن الحواس التي تمتلكها الحيوانات، وعمّا إذا كانت تستشعر الكوارث الطبيعية قبل الإنسان فعلاً، لا سيما أن البعض يؤكّد أن الحيوانات المنزلية تستشعر الكارثة قبل وقوعها بثوانٍ أو دقائق، بينما يؤكّد آخرون أنها لا تبدي أي إشارات قبل وقوع الزلزال.
وطوال عدة قرون، تحدّث البعض عن سلوك “غير عادي” للحيوانات قبيل الأحداث الزلزالية: الكلاب تنبح باستمرار، الأبقار توقف درّ حليبها، الضفادع تقفز من البرك، كما حاول العديد من الباحثين إثبات وجود ارتباط وثيق بين حدوث الزلازل وسلوك هذه الحيوانات.
وخلصت نظريات وتحقيقات إلى أن السلوك الحيواني غير الطبيعي يمكن أن يساعد الإنسان على التنبؤ بالزلازل القوية، كما تشير الروايات وتقارير لشهود عيان إلى أن الحيوانات تتصرف بشكلٍ غريب قبل ساعات أو أيام من وقوع الزلزال.
ويعود تاريخ هذه الأسطورة التي استحوذت على خيال البشر منذ فترة طويلة إلى اليونان القديمة، في عام 373 قبل الميلاد، حيث قيل، إن “الفئران وعرائس البحر والثعابين تهاجر من منازلها قبل أيام من وقوع زلزال كبير في المنطقة بأكملها”.
كما تمتلك الثعابين مجموعة قوية من الآليات الحسية الموجهة لاكتشاف التغيّرات الصغيرة في جوانب بيئتها، ودفعت التغييرات المفاجئة في سلوك الثعابين السلطات الصينية إلى إخلاء مدينة “هايتشنغ”عام 1975، قبل فترة وجيزة من وقوع زلزال قوي، في خطوة أنقذت حياة مئات آلاف البشر.
وظهرت حكايات مماثلة، مؤخراً، حيث يقول البعض، إنه “حتى الأسماك والطيور تظهر سلوكاً غير عادياً قبل النشاط الزلزالي”، ما أثار اهتمام الباحثين، الذين استخدموا أحدث التقنيات لمراقبة الحيوانات التي يقال إنها تتنبأ بالزلازل قبل حدوثها.
وقاد الباحث من معهد “ماكس بلانك” لسلوك الحيوان في ألمانيا، مارتن ويكلسكي، تحقيقاً مهماً في أنماط السلوك المتغيّرة بين مجموعة من الحيوانات قبل أيام من وقوع الزلزال، حيث وضع أجهزة استشعار على 6 بقرات و 5 أغنام وكلبين في منطقة معرّضة للزلازل بشمال إيطاليا، وراقبهم لعدة أشهر قبل وأثناء سلسلة من الزلازل التي ضربت المكان.
وجمع “ويكلسكي” وفريقه من الباحثين بيانات كشفت عن تغيير في سلوك حيوانات المزرعة قبل 20 ساعة من وقوع الزلزال، وأظهرت الحيوانات وقت نشاط طويل بشكلٍ ملحوظ، حيث كانت أكثر نشاطاً بنسبة 50% خلال إطار زمني مدته 45 دقيقة مقارنةً بالأيام السابقة.
ومن خلال سلسلة من الحسابات، توقّع الباحثون بشكلٍ صحيح زلزالاً قوته أعلى من 4.0 درجات، وباستخدام نفس الطريقة، توقعوا 7 من كل 8 زلازل قوية.
وشرح الجيولوجي الأمريكي جوزيف ل. كيرشفينك، هذه الظاهرة في مجلة علمية عام 2000، قائلاً، إن “العديد من الحيوانات يمكن أن تشعر بالموجة P (وهي موجة انضغاطية أولية تنتقل بسرعة)، قبل ثوانٍ من وصول الموجة S (وهي الموجة الكبرى التي نشعر بها)”.
ويمكن أن تنتقل موجات P الزلزالية عبر السوائل والمواد الصلبة والغازات، بينما تنتقل موجات S عبر المواد الصلبة فقط، ويمكن أن يشعر عدد قليل من الناس بموجة P الأصغر التي تنتقل بشكلٍ أسرع من مصدر الزلزال وتصل قبل الموجة S الأكبر.
وأثارت دراسة “كيرشفينك” سؤالاً أساسياً: “هل من الممكن للحيوانات تطوير ميل وراثي لتوقّع الزلازل والحفاظ على هذا السلوك الاستباقي على الرغم من درجات متفاوتة من النشاط الزلزالي؟”.
والغريزة الطبيعية لجميع الحيوانات هي إما حماية نفسها من الحيوانات المفترسة، أو الهروب من المخاطر الوشيكة التي لا تستطيع منعها.
ويسمح التركيب الجيني الحالي لمجموعة واسعة من الفقاريات بإظهار سلوكيات “الإنذار المبكر” لأنواع أخرى من الأحداث، ومن الممكن أن تحاكي بعض الحيوانات هذا السلوك وتحوّله إلى استجابة هروب زلزالية، وعلى الرغم من كل هذا، لا يزال المجتمع العلمي غير مجمع على أن الحيوانات تتنبأ بالزلازل.
ويفترض باحثو معهد “ماكس بلانك”، أن هناك شيئاً آخر يتسبب باضطراب الحيوانات قبل الزلزال، كأن يتسبب ضغط الصخور قبل الزلزال بتأيين الهواء، على نحو تستشعره جلود الحيوانات، أو ربما تتمكّن الحيوانات من أن تشم رائحة الغازات المنبعثة من ضغط بلورات الكوارتز قبل وقوع الزلزال.
وفي دراسة نُشرت نتائجها، مؤخراً، في دوريةPhysics and Chemistry of the Earth، أكّد علماء قدرة الحيوانات البرية على التنبؤ بالزلازل قبل بضعة أسابيع من وقوعها.
وسجّل العلماء، من خلال سلسلة من الكاميرات التي تم تثبيتها في منطقة في “بيرو” في حوض نهر الأمازون، التغيّرات التي طرأت على سلوك الحيوانات قبل 3 أسابيع من وقوع زلزال، بلغت شدته 7 درجات على مقياس ريختر، ضرب المنطقة عام 2011.
وتعود أقدم إشارة مسجّلة إلى سلوك حيواني غير عادي قبل وقوع كارثة طبيعية إلى عام 373 قبل الميلاد، عندما أبلغ المؤرخ اليوناني “ثوقيديدس” عن أن الفئران والكلاب والثعابين وابن عرس هجرت مدينة “هيليس” في الأيام التي سبقت وقوع زلزال كارثي.
وقبل دقائق من زلزال “نابولي” عام 1805، بدأت الثيران والأغنام والكلاب والإوز في إجراء إشارات إنذار في انسجام تام، بينما قيل إن الخيول قد هربت في حالة ذعر شديد قبل زلزال “سان فرانسيسكو” عام 1906، بحسب مذكرات تاريخية.
يُشار إلى أن نظام “إيكاروس” (الذي يعني التعاون الدولي لبحوث الحيوانات باستخدام الفضاء)، وهو مبادرة أطلقها تعاون عالمي من العلماء عام 2002، تهدف إلى توفير نظام مراقبة عالمي دقيق لمجموعة من الحيوانات الصغيرة (مثل الطيور) لتوفير البيانات والقرائن حول التفاعلات بين الحياة الحيوانية على كوكب الأرض وأنظمته الفيزيائية.
يُذكر أنه من المستحيل الجزم بأن الكلاب أو الحيوانات الأخرى تتصرف بشكلٍ غير معتاد لأنها استشعرت قرب وقوع زلزال ما، فالتغيّرات في سلوك الحيوانات قبل حدوث زلازل سجّلت فعلاً، لكنها لم تكن قاعدة عامة تحدث كل مرة، ففي بعض الأحيان لم يسجّل أي سلوك مشابه قبل وقوع الكارثة.
تلفزيون الخبر