كانت الأولى عربياً والثامنة عالمياً بإنتاج العدس؟! .. سوريا تتحول لدولة مستوردة
كانت سوريا من الدول العربية الأولى والثامنة عالمياً بإنتاج محصول العدس، حيث يعتبر العدس من أهم المحاصيل الزراعية في البلاد، لوجود مساحات كبيرة لزراعته ولما يتميز به من مواصفات بيولوجية واقتصادية هامة من جهة، وغناه بالعديد من العناصر الغذائية المعروفة بأهميتها من جهة أخرى.
أثرت ظروف الأزمة السورية والعقوبات الاقتصادية الغربية وكذلك التغيرات المناخية على مدار السنوات الـ (11) سنة الماضية على واقع القطاع الزراعي في البلاد، ما تسبب في انخفاض المساحات المزروعة بشكل كبير ما انعكس بشكل مباشر على كميات الإنتاج لمختلف الأصناف الزراعية، وخاصة العدس.
والذي بدوره تسبب في زيادة الطلب على المادة من قبل المستهلكين وارتفاع أسعاره في السوق المحلية.
وأكّد مدير الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة أحمد حيدر لـ”تلفزيون الخبر”، أنّ الأزمة أثرت بشكل كبير على القطاع الزراعي ومنها تنفيذ الخطة الإنتاجية لمحصول العدس كما المحاصيل الأخرى”
وأردف “حيدر” : “حيث تأثر المحصول بشكل كبير خاصة في مناطق زراعته في الحسكة وحلب وإدلب ودرعا كونه كثير من المساحات المزروعة كانت خارج السيطرة”
.
وأشار حيدر إلى “انخفاض المساحات المزروعة بمحصول العدس من 140 ألف هكتار إلى 110 ألف هكتار لعام 2021 ما أدى إلى انخفاض كمية الإنتاج ” ما انعكس على احتياجات السوق المحلية.
واستطرد حيدر، “إضافة إلى ذلك، تأثّر المحصول بالتغيرات المناخية التي حصلت خلال السنوات الأخيرة إذ أدى الانحباس في الهطولات المطرية في انخفاض مردودية الهكتار الواحد من 1100 كغ للهكتار، إلى 131 كغ للهكتار”.
و سمحت وزارة الاقتصاد والتجارة 27 تشرين الأول 2022، باستيراد العدس (المجروش وحب) بذريعة “تأمين احتياجات السوق المحلية”، إضافة لأصناف من البقوليات الأخرى، الحمص اليابس، الفاصولياء، وذلك لمدة 6 أشهر.
ودفعت قلة الإنتاج المحلي والسماح بالاستيراد مع اقتراب فصل الشتاء والذي يستهلك فيه السوريون المادة بشكل أكبر، العديد من المواطنين إلى تأمين المادة خوفاً من زيادة ارتفاع أسعارها من جديد كونها مستوردة، حيث ذكر أحد المواطنين أنّه اشتى الكيلو بـ 8500 وآخر اشتراه بـ 9500.
وبيّن مدير الإنتاج النباتي أنّ أسباب انخفاض إنتاجية البلاد من محصول العدس يعود إلى “تراجع مساحات المزروعة بالمحصول لقلة الأمطار في الأعوام الأخيرة، إضافة إلى قلة مستلزمات الإنتاج وزيادة التكاليف وقلة الأيدي العاملة نتيجة هجرة العديد من الفلاحين لأراضيهم بسبب الظروف التي مرت بها البلاد خلال السنوات الماضية”.
ويرى الخبراء المتخصصون في القطاع الزراعي، إضافة إلى ما سبق، “هناك أسباب أخرى دفعت إلى تراجع الكميات المزروعة وهي ارتفاع أسعار الأسمدة في السوق المحلية والتي تعد أساسية للزراعة إضافة إلى وقوع مساحات كبيرة كانت تزرع بالمحصول، تحت سيطرة تنظيمات مسلحة وخاصة في منطقة الجزيرة السورية”.
وتشير إحصائيات الصادرة عن منظمة (الفاو) إلى أنّ سورية احتلت المرتبة الثامنة عالمياً بإنتاج العدس خلال الفترة (2000- 2005)، وذلك بعد كندا والهند وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا ونيبال والصين.
وارتفع إنتاج سوريا خلال تلك الأعوام من 73 ألف طن في عام 2000 إلى 154 ألف طن في عام 2005.
على المستوى العربي كانت سوريا من أولى الدول العربية في زراعة محصول العدس، حيث زرع في الوطن العربي عام 2007 نحو 213 ألف هكتار منها 150 ألف هكتار في سورية، أي قرابة 70 بالمائة من إجمالي المساحات المزروعة في الوطن العربي.
وعن المساحات المتاحة حالياً لزراعة المحصول في البلاد، بين مدير الإنتاج النباتي أنّ “العدس من المحاصيل الزراعية التي تزرع بعلاً في أغلب المحافظات السورية وأنّ المحدد الأساسي للإنتاجية هو كمية الأمطار التي تهطل في كل عام”
وأضاف حيدر “بلغت المساحات المزروعة بالمحصول في الموسم الماضي 87086 هكتار”.
وأردف حيدر، “يتم الاستعداد حالياً للمباشرة في تنفيذ زراعة المحصول للموسم الزراعي 2022-2023، حيث تبدأ زراعة المحصول اعتباراً من 15 تشرين الثاني 2022 ولغاية 15 كانون الثاني 2023”.
وبالنسبة للموسم المقبل، بين مدير الإنتاج النباتي أنّه “مازال أغلب المزارعين في مناطق زراعة المحصول ينتظرون تساقط الأمطار من جهة، وتوفير مستلزمات الإنتاج من جهة أخرى، وبأقرب وقت سيبدأ تنفيذ زراعته”.
وختم حيدر بالقول: إنّ “أهم المحافظات التي يزرع فيها المحصول، مسبقاً هي “الحسكة، حلب، إدلب، درعا حماه – الغاب، أمّا حالياً، يتركز في محافظات “حلب والحسكة وإدلب وحماه”.
من جهته، أرجع المهندس الزراعي محمد المحمد في حديثه لتلفزيون الخبر أسباب تراجع زراعة محصول العدس في سوريا إلى “زيادة تكلفة حصاد العدس لأنه من المحاصيل التي تعتمد على الحصاد اليدوي بالدرجة الأولى، وبنفس الوقت قلّة الأيدي العاملة في هذا المجال”.
وبيّن المحمد أنّ ارتفاع تكاليف الأدوية والمبيدات الزراعية وتوجه الفلاحين إلى زراعة الخضروات والقمح والشعير كونها محاصيل تتميز بسرعة الحصاد وقلة التكاليف مقارنة بالعدس، إضافة إلى ذلك، المردودية العالية لزراعات الخضار والفواكه.
وقال المحمد: هناك أسباب أخرى لانخفاض المساحات المزروعة، وهي غياب الدعم الحكومي واحتكار المستلزمات الزراعية وارتفاع أسعارها في السوق السوداء وتوقف المصارف الزراعية عن تقديم الخدمات للفلاحين، وقلة التيار الكهربائي وارتفاع أسعار المحروقات.
وأردف المحمد، “تأثر محصول العدس خلال السنوات الماضية بالجفاف أكثر من غيره من المحاصيل الزراعية، تسبب في إحجام الكثير من الفلاحين عن زراعته”.
وحول التكلفة المالية للهكتار الواحد، بين المحمد أنّ كيلو بذار العدس اليوم يصل إلى 5000 آلاف ليرة سورية، وهو عالٍ، أي أنّ تكلفة بذار الهكتار الواحد تصل إلى 600 ألف ليرة كحد أدنى لأن الهكتار يتطلب بالحد الأدنى 120 كيلو عدس”.
وحول عدم توجه الفلاحين لزراعة المحصول بمياه الري، أكّد المحمد أنّ محصول العدس “من المحاصيل التي تزرع بعلاً وإنّ زراعته بالري يعني أنّ ذلك يتطلب توفير شروط محددة كشبكات ري بـ “الرذاذ” أو (رشاشات) وهذه التجهيزات تكلف مبالغ كبيرة قد لا يستطيع أغلبية الفلاحين تأمينها”.
وأوضح المحمد، إنّ تأمين شبكة ري (رشاشات) للهكتار الواحد تكلف بالحد الأدنى اليوم قرابة 10 مليون ليرة سورية، إضافة إلى ذلك، يتطلب تشغيلها توافر تيار كهربائي لمضخات المياه أو كميات من المازوت وهذا كما ذكرنا غير متوفر حالياً بالشكل المطلوب”.
قصي أحمد المحمد– دمشق- تلفزيون الخبر