قطاف الزيتون في “تنورين” بريف حمص..مصدر توفير وموعد لجمع الأهل
“على دلعونا وعلى دلعونا زيتون بلادي أجمل ما يكونا”، أغنية تراثية تنشدها الإمرأة الأربعينية “أم كنان” فرحاً بموسم وافر من الزيتون، في أرضها بقرية تنورين في منطقة وادي النصارى بريف حمص الغربي.
طقس اجتماعي يشابه العيد
تنتظر “أم كنان” موسم قطاف الزيتون بفارغ الصبر، فهو وإضافةً لكونه عاملاً جامعاً يجمع الأهل والأقارب، إلا أن الشوق له بات أكبر مع ارتفاع أسعار الزيت بشقيه النباتي والأصلي كما يشتهر به.
مفترشةً الأرض على” مدّة” مكوّنة من “شوالات” فارغة تم جمعُها بقطعةٍ واحدة لتجمع حبات الزيتون المتساقطة من الشجرة، مختصرةً الوقت لجمعها وفرزها بين الأخضر المخصص للأكل وما سيتم تخصيصه للعصر.
تقول أم كنان لتلفزيون الخبر” أتفق أنا واخوتي اللواتي يسكنّ في محافظات مختلفة على السفر إلى قريتنا في ريف حمص والعمل على “حواش الزيتون” من أراضينا وتجهيز مونة العام من الزيت والزيتون والعيطون.
وتضيف “شغلتنا الحياة والظروف الصعبة عن بعضنا، فسكنت في مدينة حمص، بينما توزعت أخواتي في مناطق أخرى، حتى أن الأعياد لم تعد مناسبة تجمع شملنا كما يفعل موسم الزيتون.
مورد مادي كبير و فرصة جيدة للعمل
تتساقط حبات الزيتون من فوق رأس “أم كنان”، مع تسلق ابنها “إيهاب” أعلى الشجرة، مستخدما ً ” مشّاطة” بلاستيكية و عصاً نحيلةً من الرمان تساعده في الوصول إلى الحبات البعيدة و”نبرها”، حيث أن لكل حبة منها أهمية كبيرة.
ويخترق صوت إيهاب أغصان الشجرة متحدثا ً عن أهمية هذا الموسم، وقال لتلفزيون الخبر” يعتبر شهر تشرين الأول فرصة مميزة للعمل، وخصوصاً لغير الموظفين، حيث تصل يومية “النابور” هذا الموسم لما يزيد عن 30 ألف ليرة يومياً، و” اللاقوط” إلى 25 ألف ليرة.
وأضاف” أشكر الله أنني أعمل في أرضي وأجمع محصول الزيتون لنستفيد منه خلال العام، إلا أن الكثير من سكان القرى يستأجرون ورشات كاملة للعمل في أراضيها ما يكلفهم مبالغ مالية ليست بالقليلة”.
للفطور في الأرض طعم آخر
تبحثُ “أم كنان” في السلسلة الحراجية المحيطة بأرضها عن بعض القشّ والأغصان اليابسة لإشعال النار تحت إبريقٍ مغطىً بالسواد ومخصص لشرب الشاي، تم رفعه عن الأرض بواسطة حجارة مستوية.
لتبدأ بالنفخ على النار بعد إشعال ورقة صغيرة، ويضيعُ وجهها بين الدخان الأبيض المنبعث لدقيقةٍ قبل أن تبدأ النار بتسخين الماء، مع تجهيزها لسُفرةٍ صغيرة فُرشت على مدّةٍ فوق تراب الأرض.
تحكي “أم كنان” رأيها عن لذة تناول الطعام في أرض الزيتون، قائلة” شو بدنا بالحكي، المكدوس بالأرض غير”، لدرجة أنك تنسى عدد أرغفة الخبز التي تناولتها ومعها يذهب” الريجيم ادراج الرياح”ّ.
مهرجان غنائي واسترجاع للماضي
“ودخلك يا طير الوروار خبرني بحالون شو صار”، أغنية شهيرة لفبروز تغنيها “أم كنان” وحدها مراراً وتكرارا ً، بينما ينهمك الآخرون بالعمل وملئ الأكياس واحداً تلو الآخر.
وبينما تفرغ وعاءها المملوء في الكيس، تقول لتلفزيون الخبر” تُفتح القريحة الشعرية والغنائية خلال موسم الزيتون، كما نتبادل حكايا الطفولة والأخبار والمواقف التي حصلت معنا خلال العام.
الفرز والعصر..اللحظة المنتظرة
تستند أم كنان على جذع شجرة وتنزع عن رأسها غطاء ً أبيض مليء بأوراق الزيتون، بانتظار وصول شقيقها بسيارته “السوزوكي” لنقل ما تم جمعه بعد عشر ساعات من العمل المتواصل، مع نظرات التفاؤل والرضى التي ترمقها لعشرات الأكياس المتخمة بحبات الزيتون.
وتتحدث لتلفزيون الخبر عن شعورها ما بعد عصر الإنتاج، وقالت” نذهب مباشرة بعد انتهاء العمل إلى معصرة في قريتنا بعد فرز ما سيتم أخذه في “قطرميزات” للأكل وبين ما سيعصر واخذه في ” بيدونات” زيت كل منا إلى منزلها.
وأضافت” ننتظر معرفة كمية الزيت التي سنحصل عليها، لأن تأمين هذه المادة بات مكلفاً للغاية بعد أن كان آخر ما يهمنا في السابق، مع وصوله إلى أسعار أعلى من الزيت النباتي في سابقة جديدة تحصل للمرة الأولى”.
وختمت ” أم كنان” لتلفزيون الخبر” ننسى آلام الشوك التي تنخز أصابعنا، والبرد والشمس وكل ما نعانيه خلال العمل، عندما نرى نتيجة التعب على شكل زيت وفير ومونة تملأ مطابخنا”.
لتصعد أم كنان وأبناؤها على سيارة السوزوكي، جالسة فوق أكياس الزيتون بابتسامة عريضة، مغادرة أرضها مع آخر خيوط الشمس وصوت غنائها يملأ حارات “ضيعة تنورين”.
عمار ابراهيم_ تلفزيون الخبر_ حمص