“بيدوفيليا” تعرّف على اضطراب الرغبة الجنسية نحو الأطفال
“سرّك ببير” جملة نطقتها “سلمى” التي تبلغ من العمر (32عاماً) منذ 20 سنة كوعد أبدي لصديقتها الودودة في لحظة بوحها لحالة تحرّش تعرّضت لها وهي لا تتجاوز السابعة من العمر من قبل أحد أصدقاء أبيها.
وقالت “سلمى” لتلفزيون الخبر: “لا أستطيع البوح بتفاصيل شخصيّة عن صديقتي، لكنّي كلّما سمعت عن حالة (بيدوفيليا) في المجتمع السوري استذكر المتاعب النفسية التي لحقت بصديقتي بفترة مراهقتها بسبب ما حصل معها منذ طفولتها”.
وأضافت “سلمى”: “كانت والدتها موظّفة ووالدها يعمل في التجارة العامة، وفي العطلة الصيفيّة كان يصطحبها الأخير إلى دكّان صديقه (أمانة)، ريثما يذهب لقضاء حاجاته في شراء بعض المواد الأولية لمحلّه”.
وأكملت “سلمى”: “كان صديقه يكبرها بـ 40 عاماً ويتحرّش بها في كل مرة تنتظر فيها والدها، ثم قضت حياتها تخاف البوح عن كل ما جرى معها، إلى أن توفّي الجاني بأزمة قلبية وترك لديها حزمة من العقد النفسية”.
وحالة التحرّش التي تعرّضت لها صديقة “سلمى” هي واحدة من جملة حوادث التحرش أو الاعتداء الجنسي الذي تعرضن له الإناث وهنّ صغار، عدا عن حالات لا بأس بها من الذكور الذين كانوا عُرضة أيضاً لمواجهة مرضى “البيدوفيليا” الذي يجهله الكثيرون في المجتمع السوري.
وأكدت الاستشارية النفسية والتربوية والاجتماعية هبة موسى لتلفزيون الخبر أن “البيدوفيليا ناتج عن أضرار جسدية ونفسية وسلوكية ومن الخطأ محاولة البعض تبرير الفعل على أنه نتيجة سلوكية فقط”.
وأضافت “موسى”: “البيدوفيليا منتشر ويتطلّب شجاعة بالتعاطي ويجب الوعي به لكي يعالج بطرق صحيّة وسليمة لأنه خارج عن الطبيعة الإنسانية، ويحمل أفكاراً منحرفة، ولابد من إنشاء بيئة مجتمعية ثقافية حاضنة”.
ما هي البيدوفيليا؟
أشارت “موسى” إلى أن “البيدوفيليا هي اضطراب نفسي يصيب البالغين فوق سن الـ 16 عاماً، منهم من يعانون من خيالات واستثارة جنسية تجاه الأطفال ويكتفون بذلك أو التحرش بهم من خلال مداعبتهم، ومنهم من يصل بهم الأمر إلى درجة الاعتداء الجنسي والاغتصاب”.
وأكدت “موسى” أن “البيدوفيليا يبدأ بالانجذاب والميول الجنسي للأطفال من كلا الجنسين أو أحدهم وغالباً للأطفال من سن 7 إلى سن 13 سنة، بحيث يكون فرق العمر بين المضطرب والطفل لا يقل عن ٥ سنوات”.
وأضافت “موسى”: “أغلب المصابين من فئة الرجال، أما النساء فهنّ أقليّات وأقرب إلى النادرات”.
الفرق بين الميل والاضطراب الجنسي
وأكدت “موسى” أن “هناك فرق بين الانجذاب الجنسي والميل الجنسي للأطفال، أي أن ليس كل مصاب يتحوّل إلى متحرّش، وبالتالي ليس كل من لديه ميل جنسي للأطفال يقوم بسلوكيّات”.
وأشارت “موسى” إلى أن “الانجذاب الجنسي هو المرحلة الأولى من التحرّش، عندما تعتمد شهوة الجاني على تخيّل ممارسات وسلوكيات جنسيّة مع الطفل ذكراً كان أم انثى.
ما أسباب الإصابة بالبيدوفيليا؟
من الممكن أن “تكون الإصابة بالبيدوفيليا ناتجة عن خلل جيني أي اضطرابات بين العائلات، وزواج الأقارب له دور أساسي في ذلك، أو من الممكن أن تكون البيدوفيليا سلوكاً مكتسباً”، بحسب “موسى”.
وقالت “موسى” :”لا ننسى خلل الهرمونات الذكورية والسيروتونين عند المصاب التي تؤدي إلى الاضطرابات الجنسية والوصول إلى البيدوفيليا”.
وأضافت “موسى”: “تعزيز الأفكار سبب رئيسي بالاهتمامات الجنسية عند الإنسان وخاصة بسن مبكّرة، وتُتيح له فرصة التكرار والتخيّلات الجنسيّة، وهي تخالف العرف المجتمعي لذلك يبتعد عن مشاركتة مايفعله بحديث مع الآخرين”.
ومع “مرور الزمن تتخمّر الأفكار المتعلّقة بالميل الجنسي للأطفال وتتعزّز بالذاكرة لكي تأتي مثيرات تساعد على تحفيزها وظهورها، فيبدأ المصاب بإدراك اهتماماته والدوافع المنحرفة لديه والتي تتعارض مع المعايير المجتمعية”.
ويتحوّل الاستخدام المتكرّر للتخيلات الجنسية لدى المصاب إلى وسيلة من وسائل التنفيس، وتصبح الأفكار والسلوكيات الجنسية المرتبطة بهذه التخيلات هي المثير الوحيد أمامه”، بحسب “موسى”.
ومن “الظروف التي تؤدي للإصابة أيضاً كثرة تعرّض الطفل مجتمعياً للمثيرات الجنسية التي تحفّز لديه الخيالات وتجعله يقتضي بهذه السلوكيات ويستمر بممارستها”.
وأردفت الاستشارية النفسية أن “التحرش والاعتداء الجنسي في سن الطفولة له دور كبير في تطعيم الذاكرة السلبية، ثم يؤدي إلى الإصابة في البيدوفيليا عند سن البلوغ”.
يذكر أن الكثير من المواقع الطبيّة أكدت أن أسباب البيدوفيليا ناتجة عن نشأة الطفولة والتجارب المبكّرة، أو التجربة الجنسية الأولى لدى المصاب أو تعزيز الأفكار الجنسية.
كيف تُشَخَّص الإصابة بالبيدوفيليا؟
اتفقت جميع الدراسات أن “الاعتداء الجنسي على الأطفال أمر لا ينبغي التسامح معه أو التهاون به، فيما يعتمد تشخيص الاضطراب على سلوك المصاب نفسه على أساس رغباته الجنسيّة أو أن يشعر بعدم راحة نتيجةً لرغباته أو خيالاته”، بحسب “موسى”.
وقالت “موسى”: “المصاب يدرك وقوعه بالبيدوفيليا عند فترة البلوغ، ومن الممكن أن تقل حدّتها مع الوقت أو تستمر مدى الحياة”.
وأكملت “موسى”: “يقع المصاب بموجة من التخيلات الجنسية القويّة، إضافة لسلوكيات جنسية مع أطفال دون سن البلوغ، ناهيك عن دوافع جنسية مترجمة وواضحة”.
وتكون الخطوة الأولى للتحرش الجنسي في البيدوفيليا هي قلق وخلل اجتماعي ووظيفي وخيالي أي إذا شعر المصاب بعدم راحة في هذا الخصوص يكون على استعداد تبني البذرة الأولى للدخول بالاضطراب”، بحسب “موسى”.
ما طرق علاج البيدوفيليا؟
من الممكن أن يشعر المصاب بالخوف والقلق من البوح لذويه عما يجول في رأسه وخياله لعدم الشعور بالأمان أو عدم القدرة بالوصول إلى العلاج، ومنهم من احتفظ بسرّه وانعكس على سلوكه في مراحل حياته دون اكتشاف حالته.
وأشارت دراسات إلى أن وسائل التداخل العلاجي في حالات اشتهاء الأطفال هي السجن أو العزل الجسدي عن المجتمع أو العلاج الدوائي، أو العلاج السلوكي المعرفي.
وأكدت “موسى”: أن “علاج البيدوفيليا دوائي أوعلاج سلوكي معرفي، ومن الممكن أن يتزامنا مع بعضهما، علماً أن العلاج الدوائي فيه مضادات الأندروجين التي تخفّض مستويات الهرمون الذكوري لتقليل الإثارة الجنسية”.
وأضافت “موسى”: “يوصف العلاج الدوائي عند الاضطرابات المرتفعة، إضافة للاستعانة بمضاضات الاكتئاب التي من الممكن أن يكون فيها علاج للبيدوفيليا”.
أما عن العلاج السلوكي، لفتت “موسى” إلى أنه “عبارة عن تشريط منفّر وإعادة هيكلة للانحرافات المعرفية مع تمارين التعاطف مع الضحايا الذي يعتبر استخدام محفّز للقضاء على تصرفات معيّنة عبر الاسترخاء وعرض سلوك منحرف على الشاشة ثم التعليق عليه”.
ويندرج “التعليق حول إيقاف المصاب بالبيدوفيليا التفكير بالضحية على أنها تستدعيه جنسياً بسبب لباسها، مع تمارين التعاطف التي تساعده على النظر بمنظور الضحيّة والضرر الذي يحدثه بها”، بحسب “موسى”.
يشار إلى أن “بعض الباحثين الألمانيين أكدوا أن البيدوفيليا لها علاقة بالدماغ وأن المرضى يعانون من بعض التشوّهات العصبية ونسبة الذكاء عندهم أقل بحوالي ثماني في المائة عن المتوسط، ومن المثير للاهتمام أيضا أن عمر الضحية له علاقة مع نسبة الذكاء عند الجاني، أي أن كلما كان غباء الجاني أكثر، يكون اختيار الطفل أصغر سناً”، بحسب”DW” .
كلير عكاوي – تلفزيون الخبر