ما بين الرمال التي تختزن دويِّ العصور والملِكة… في ذكرى رحيل عالم الآثار خالد الأسعد
يصادف يوم 18 آب ذكرى اغتيال عالم الآثار السوري الكبير خالد الأسعد، هذا الإنسان الذي كرّس حياته في جعل الحجارة تتجلّى كشخوص على مسرح الحياة لتحكي لنا قصة الإنسان والحضارة وقصّة شغف وحكاية عشقٍ لروح تلك الأرض بطلتها على مرّ العصور ملكة اسمها “زنوبيا” ومسرحها تدمر.
ولد العالم الراحل خالد الأسعد في 1 كانون الأول عام 1934 في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي، وما بين عبق التاريخ وحكايا الزمان وهمسات الرمال عاش الأسعد في مدينته وكبر فيها.
إثر دراسته الثانوية، درس الراحل الأسعد في دمشق وتخرّج من جامعتها باختصاص التاريخ، وهو ما كان يتسّق مع شغفه، ورؤيته لأساطير الرمال، وسماعه دويّ أصوات من راحوا،
شغل الراحل “الأسعد” بعد التخرّج عدّة وظائف ومناصب ضمن المديرية العامة للآثار والمتاحف، ليغدو إثرها مدير متاحف وآثار مدينته تدمر، وتبدأ رحلة الأبحاث والدراسات والتنقيب عن حضارةٍ تتجلّى دائماً على مر العصور.
من مؤلفاته التي اشتهرت عالمياً وجمعت الدليل والتوثيق والإشارات كان مؤلف “الدليل السياحي الأول_تدمر” والذي حمل عنوان “مرحباً بكم في تدمر” وكان بحق خارطة دليلية وحضارية وعلمية لهذه المدينة التي قارعت وقرعت صنوج التاريخ،
ووضع الراحل عدّة مؤلفات اعتبرت كأيقونات لكل باحث عن الحضارة مثل “سوريا في العهد البيزنطي والإسلامي” و”زنوبيا ملكة تدمر والشرق”، ومخطوط “قبائل البدو في تدمر” ودراسة “أقمشة المحنطات والمقالع التدمرية”، والكثير من الكتب والأبحاث والدراسات والمخطوطات والمقالات التي أضحت مراجع لكل باحث وأكاديمي وعالم آثار في الشرق.
شارك الراحل “الأسعد” بالكثير من البعثات التنقيبية والترميمية وبعدّة صفات سواء ك رئيس أو مشارك، هذه البعثات التي أخذ بعضها طابعا دولياً مشتركاً مثل البعثة السويسرية والبولونية والفرنسية والكثير من البعثات التي كان لها أصداءً عالمية.
أتقن الراحل عدّة لغات عالمية ومنها لغات قديمة أبرزها اللغة الآرامية والتي هي لغة بعض شعوب شرق المتوسط منذ آلاف السنين، هذا ما كرّس الأسعد ك عالِم دولي وباحث مرجع لدراسات على المستويات الدولية.
ارتبط “الأسعد” بمدينته كارتباط الرمال والحجارة، وكأصوات الريح وعبق الواحات في تدمر، حيث اكتشف القسم الأكبر من الشارع الطويل، وساحة المصلبة “التترابيل” واكتشاف “مدفن بريكي بن أمريشا” “عضو مجلس الشيوخ التدمري”. بالإضافة للعديد من المدافن واسهامه الرئيسي في المقبرة البيزنطية في حديقة متحف تدمر.
حاز الراحل الأسعد على الكثير من الشهادات والأوسمة والجوائز على أرفع المستويات العالمية مثل وسام الاستحقاق برتبة فارس من الرئاسة البولونية ووسام الاستحقاق من الرئاسة التونسية ووسام “الفارس” من الرئاسة الفرنسية،
شهد يوم 18 آب عام 2015 قيام أتباع الظلام وأعداء الإنسانية ما يسمى “تنظيم الدولة الإسلامية” بإعدام العالم السوري الكبير خالد الأسعد عن طريق قطع الرأس.
رحل خالد الأسعد بطريقة دراماتيكية وكأنه أراد أن يخبرنا أن دماء النخيل استباحوها على مرّ العصور أعداء الانسانية منذ الملكة زنوبيا حتى خالد الأسعد لأن الحضارة هي العدو الأول لهم.
استشهد خالد الأسعد لترقد بين يديه حجارة تدمر وأعمدة تدمر وتماثيل تدمر وواحات تدمر، فهو الحارس الأمين، والأب القدير، وخادم الحضارة المخلص، وصاحب أكبر رصيد من معرفة الشغف الذي دمجَ الأم “زنوبيا” بروح “رمالها”.
حسن الحايك_تلفزيون الخبر