عمالقة الطرب غرباء في مدينتهم .. من يتاجر بأصالة حلب وقلعتها؟
أعلنت إحدى الشركات الخاصة، حديثة الولادة، والمتخصصة بتنظيم الحفلات، عن اقتراب موعد حفل جديد لأحد المغنيين “الشعبيين” ضمن فعاليات ما يسمى “مهرجان صيف قلعة حلب 2022”. وسيلتقي “الفنان” بجمهوره على مدرج قلعة حلب، قريباً، حسب ما أعلنت عنه الشركة المنظمة لـ “مهرجان صيف قلعة حلب” عبر صفحتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي.
في حين أعلنت مديرية ثقافة حلب، عبر موقعها الرسمي، عن إقامة حفل تراثي برعاية وزارة الثقافة، يجمع كوكبة من قامات الطرب الحلبي الأصيل إلى جانب ممن بقي من تلامذة الراحل صباح فخري، وذلك على مسرح نقابة الفنانين بحلب.
ويضم الحفل التراثي بحسب ما جاء في الإعلان عنه، الفنانين صفوان عابد، عمر سرميني، أحمد خيري، محمود فارس، وفرقة نغم الموسيقية بقيادة المايسترو عبد الحليم حريري.
إذاً، من أراد من الجمهور الحلبي أن يتذوق أنغام الأغنية الحديثة والأغاني الشعبية، بات عليه أن يتوجه إلى مدرج إحدى أقدم قلاع العالم، الذي أصبح بعراقته، يقاوم محاولات محو آثار خطوات صناجة العرب، الراحل صباح فخري، من هذا المدرج.
جدلية في المكان وتناقضٌ كبير بين الرغبة في تقديم ما يليق بقلعة حلب وما يخصص لتمويل ذلك..
ورغم أن “الأماكن حلوة بناسها” إلا أن هذا التناقض في اختيار أماكن لإحياء حفلات، بما يتضارب مع القيم الفنية المقدمة فيها، وبما لا يتناسب مع حضارة عقود طويلة يصعب محوها من حجارة المكان، بات ذلك يدق ناقوس الخطر حول ما إذا كان عمالقة الطرب الأصيل قد غيروا عنوانهم في حلب..!
لطالما أن أجيال كثيرة من متذوقي الفن الطربي الأصيل ومن “سمّيعة حلب” بمختلف أوضاعهم الاقتصادية، قد نشأوا واعتادوا على رؤية قامات الطرب الحلبي واقفة على مدرجها الأصيل، متمسكةً بتراثها، ومتمايلة على أنغام إرثها اللامادي.
هل بات وصول عمالقة الطرب إلى مدرج قلعة حلب صعب المنال؟
سؤال وجهه تلفزيون الخبر لنقيب فناني حلب المايسترو عبد الحليم حريري، الذي كشف بدوره، عن سبب اختيار مسرح نقابة الفنانين لإقامة هذا الحفل التراثي دوناً عن مدرج قلعة حلب.
ووضح الحريري أن: “السبب الرئيسي هو عدم كفاية الميزانية الممنوحة من قِبل الوزارات المعنية، لإقامة حفلات طربية تراثية على مدرج القلعة.
فأصبحت تتم الاستعانة بالتجار لتغطية تكاليف الحفلات هناك، ومن الطبيعي أن يستعين التاجر بنجم شباك يجلب له الربح”.
وأشار نقيب فناني حلب إلى أن: “تكلفة إقامة حفل فني يحييه فنانو حلب على مدرج القلعة، بتقنيات لوجيستية جيدة، تليق بأهمية المكان وبالقيمة الفنية المراد تقديمها، باتت تتراوح ما بين 20 إلى 25 مليون ل.س”.
مزمار الحي لا يطرب؟
مقارنة بسيطة بين الأرقام المذكورة والمبالغ التي تصرف على الحفلات المقامة بمدرج قلعة حلب الآن، توحي بمؤشرات وتساؤلات حول تبدّل تفضيلات الجمهور، وربما بداية تغيّر الذائقة الفنية بعد الحرب، في حين أن الواقع المتناقض الذي تشهده البلاد أحدث تضارباً في المفاهيم والرؤى.
وحول ذلك يقول “حريري” لتلفزيون الخبر: “إن الجمهور في حلب مازال يحب أن يُطرب على أنغام الفن الأصيل، لكنه اعتاد على حضور حفلات لفناني حلب بأسعار تذاكر قليلة، وفي كثير من الأحيان بالمجان.
وبالمقابل أيضاً، بات البعض يدفع مبالغ كبيرة لقاء ثمن تذكرة حضور حفلات لفنانين قادمين ضيوفاً إلى حلب”.
ونوه الحريري إلى أن: “ما يجري الآن في قلعة حلب لا يمكن تسميته بـ مهرجان، بل حفلات تجارية، لأن المهرجان بمفهومه المعروف، يجب أن يقام وفق خطة محددة العناصر، دقيقة المواعيد والأوقات، ووفق رؤية واضحة، تضع الوزارات المعنية، لأجل تنفيذها، ميزانيات محددة ومدروسة، بحيث يقام المهرجان بالتوازي مع نشاطات أخرى ترافقه وتحمل قيمة ثقافية معينة يراد تعزيزها أو ترسيخها، ضمن أجندة عمل وطنية متكاملة”.
وأضاف النقيب : “يجوز الاعتماد في إقامة المهرجانات على دعم الشركات التجارية وعلى واردات شباك التذاكر، وهذا أمر طبيعي في كل بلدان العالم، لكن لا يجب أن يكون ذلك اعتماداً كاملاً بل رافداً”.
صفوان عابد :على كل من يغني في مدرج قلعة حلب أن يكون في الغناء “قلعة”
هذا ما قاله أستاذ الطرب، الفنان القدير صفوان عابد، في حديثه لتلفزيون الخبر. وبدوره رحّب “عابد” بكل ضيوف حلب من الفنانين، مؤكداً أن: “الأماكن الفنية في حلب، هي كثيرة ومتاحة للجميع، ونحترم ما يقدمه كل فنان، إذ أن لكلّ منهم نمطه وأسلوبه وجمهوره الذي نحترمه أيضاً، إلا أن خصوصية مدرج قلعة حلب تحتّم على من يريد الوقوف هناك أن يكون بأدائه الفني (قلعة) توازي القلعة التي يغني فيها”.
وأعلن أستاذ الطرب، الذي عمل على تلمذة أجيال من المطربين خلال وجوده ونشاطه المستمر في نادي شباب العروبة بحلب، مصرحاً في حديثه لتلفزيون الخبر، عن “استعداده للتنازل الكامل، عن أجره المادي فيما لو بادرت الوزارات المعنية، بدعوته للمشاركة بإحياء حفلات فنية تراثية أو مهرجانات فنية ثقافية تقام على مدرج قلعة حلب، بحيث أن ترصد الوزارات المعنية، ميزانيات تغطي التكاليف الأساسية لإقامة هذا النوع من الحفلات أو المهرجانات على المدرج العريق”.
وأضاف العابد: “لست وحدي من يتنازل عن أجره، بل هناك مطربون حلبيون على استعداد مماثل للتنازل عن أجورهم المادية مقابل القيمة الثقافية والفنية التي يحملها مدرج قلعة حلب”.
أما المتتبع لردود أفعال الجمهور، لا شك أنه يرى تفاوتاً بالآراء، إذ عبر بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن تحسرهم وأسفهم حول ما آلت إليه الأحوال بقلعة الطرب، والبعض الآخر يأمل استضافة مزيد من النجوم العرب القديرين ككاظم الساهر وغيره. إلا أن مساعي البعض لإعادة إحداث مهرجان تراثي ثقافي دائم كـ “أيام زمان”، مازالت لا تلقى آذاناً صاغية.
نغم قدسية – تلفزيون الخبر