مع نصف قرن من الذكريات.. أم محمد تروي حكايات العيد في حمص “أيام زمان”
كلما تقدم بنا الزمن، نستذكر الماضي الجميل بتفاصيله التي لا تنسى مع تعاقب السنوات، ويتبادر الى أذهاننا طقوس العيد وما كان لها من نكهة وأثر اختلفا مع كل جيل يأتي بعد آخر.
تروي أم محمد ، السيدة السبعينية، لتلفزيون الخبر مقتطفات نصف قرن كامل عاصرته في حي العباسية بحمص فقد: ” كان للعيد طعم آخر وكان الجميع ينتظر قدوم العيد أيام زمان بشغف كبير وفرحة تملأ قلوب الكبار قبل الصغار”.
وبحركة دائرة متموجة بيديها الممتلئة بالشاميات، ترسم أم محمد أمامك مشهد تحضيرات حلويات العيد، قائلة” كنت تلاقي شو ما بتشتهي نفسك”، كنا لا ننام ليومين متتاليين للكميات الكبيرة المتوجب علينا تحميصها، من الأقراص والمعمول والمبسبس وغيرها”.
تتابع أم محمد حديثها بتنهيدة طويلة أخفت وراءها ما وصفته ب” انقلاب الدنيا”، وقالت” ما يؤلم حقيقة الأمر هو تغير العادات والتقاليد الاجتماعية التي ربينا عليها، فالزيارات كانت تبدأ منذ ساعات الصباح الأولى، وتسمع المباركات في كل مكان، أما الآن فقد اختلف الأمر كثيرا ً واختُصر برسالة على الجوال”.
تعود أم محمد، وتبدأ حديثها بالترحم على الأموات، وقالت” حتى التعامل مع الأموات اختلف، حيث كنا نزور المقابر لاستذكار الموتى والوفاء لهم مع زرع الريحان حول قبورهم، كونهم بقوا حاضرين معنا بأرواحهم وفي قلوبنا، وإن كان هذا الطقس مستمراً حتى الآن إلا أنه حالياً يمارس “رفع عتب”.
وبينما تحتضن أم محمد حفيدها بين ذراعيها، تروي ما يتعلق بجزء هام من ذكريات العيد وهي ملاهي الأطفال” كان طريق الستين مجرد تراب عندما جئت إلى الحي، ومع بزوغ الفجر كان مئات الأطفال يغزون الساحات المليئة بالألعاب والبسطات التي تقدم الحلوى والفتيش وغيرها”.
وتتابع أم محمد ” لا نستطيع في الوقت الحاضر إدخال البهجة إلى قلوب الصغار كنا في الماضي، فقد كان الفرنك وربع الليرة” شعلة عظيمة”، أما الآن فما الذي يمكنك تقديمه لطفل بألف ليرة أو ألفين، ودون أي مبالغة لا يقبل أي من احفادي هذا المبلغ مع عبارة” شو بتشتري ألف ليرة يا تيتا”.
وتكمل أم محمد حديثها عن طقوس العيد في الماضي، مع أخذها لشهيق عميق يوحي ببدء حديث آخر عن طعام العيد “كنا نذهب بالعشرات إلى سوق الخضرة، ونشتري أفخم الأنواع بالفلينة والصندوق، لنعود بها ونبدأ الطهي لإطعام عشرات الضيوف والأقارب، وهو ما لم نعد نستطيع عليه حالياً، وحضرتك بتعرف الكمالة”.
وتقف أم محمد بكامل طولها لتصف ما قالت عنه ” سوسة النساء” وهي تجهيز ثياب العيد، وقالت” كنا نتوجه ما قبل أيام العيد إلى سوق النسوان الواقع قرب السوق المقبي، ومن اسمه يمكن لك معرفة تنوع البضاعة فيه، حيث كنا نجد كل ما يلزم من الإبرة وأنت طالع”، إضافة لشراء الأقمشة اللازمة لثياب الأطفال ولوازمهم المختلفة”.
أما عن سهرات العيد، تقول أم محمد” كنا نسهر في منازل الأقارب والأهل حتى الفجر، ونفرش الأسطح بكل أمان وحب وضحك، بينما اختفى هذا الأمر تدريجياً لاسيما مع سنوات الحرب وخوفنا من سقوط إحدى القذائف، واستمرار ذلك بما بعد خروج المسلحين، حيث اختفى الأمان الذي عشناه سابقاً بشكل شبه كامل حالياً”.
وتختم أم محمد حديثها لتلفزيون الخبر، بوضع يدها على كتفي، وترديدها لمثل شعبي أو ما يمكن اعتباره قول مأثور يعبر عن اختلاف القيم عند الأجيال، واشارة واضحة لعدم الرضى عن الجيل الحالي وقالت مع ابتسامة واضحة” هادا جيل بعبع ، بياكل ما بيشبع ، بيروح و ما بيرجع ، بيحكي و ما بيسمع ،إن عاقبته بَرطع و إن راضيته بِطمع”.
عمار ابراهيم_ تلفزيون الخبر_ حمص