مشفى ينشر صور مرضى مصابين بالجرب .. مؤسسات حكومية تشارك في انتهاك الخصوصية
في خطوة غير مبررة، قامت صفحة مشفى دريكيش الوطني عبر “فيس بوك” بعرض صور عائلة مصابة بمرض “الجرب” تتعالج في المشفى دون القيام بأي إجراء يخص حماية خصوصية المرضى.
ونشرت صفحة المشفى صوراً لأفراد العائلة قبل العلاج وبعده مقروناً بتوضيح للحالة، من دون أن تخفي ملامح أو هويات الأشخاص، بالرغم من إمكانية تعرضهم للوصم، خصوصاً أن مرض الجرب يعتبر من الأمراض التي تسبب للمصاب به نفوراً اجتماعياً.
وذكرت الصفحة أنه “بناء على توجيهات السيد مدير صحة طرطوس تم ارسال سيارة اسعاف إلى قرية المعمورة بتاريخ٣/٤/٢٠٢٢ لإحضار عائلة مؤلفة من أربعة أشخاص وهم مصابين بمرض جلدي /الجرب النرويجي/ مرحلة متقدمة ومهملة من قبل الاهل وغير قادرين على القيام بالحركة وأداء وظائفهم الشخصية”.
وأكملت الصفحة مستفيضة في شرح الخدمات التي قدمها المشفى “تم قبولهم في مشفى الدريكيش الوطني وعزلهم في غرفة خاصة بهم حيث تم تقديم كافة الخدمات والرعاية الصحية المكثفة لهم”.
وتابعت أنه تم “تقديم العلاج الطبي من قبل أطباء الجلدية والرعاية التمريضية اليومية من قبل ممرضات مفرزات لهم وتقديم الطعام والشراب والنظافة الخاصة لهم وذلك بشكل يومي وتقديم الأدوية اللازمة والمتابعة اليومية على مدار الساعة ومن خلال هذه المتابعة وصل المرضى إلى الشفاء”.
الآثار الاجتماعية المهملة
وأثارت هذه الحادثة ردود أفعال متفاوتة من مواطنين تنبهوا إلى خطورة “انتهاك الخصوصية”، وما يرافقها من خروقات قانونية، وآثار اجتماعية.
وتساءل مواطنون عبر تلفزيون الخبر عن سبب نشر صور المرضى بلا تشفير خصوصاً الأطفال عبر وسائل التواصل دون الاهتمام أو التفكير بما سيعانيه المريض من أضرار لاحقة لنشر الصور خصوصاً أن الظاهرة أصبحت منتشرة بشكل ملحوظ مؤخراً في أكثر من مكان.
وقال سامر طالب جامعي لتلفزيون الخبر “هل وصل هوس الترند واللايك للكادر الطبي ألم يفكر كادر المشفى قبل تظهير الصور بالضرر النفسي الذي سيقع على المرضى بعد انتشار صورهم وهم في عز المرض من سيحميهم من التنمر والتندر وأي ضرر أخر لاحقاً.. هل هذه أخلاقيات الطب؟”.
وأكملت ليلى خريجة تربية وعلم نفس “ظاهرة نشر صور المرضى أصبحت تتكرر بشكل ملحوظ مؤخراً وحتى لو كانت بعد أخذ موافقة المريض فهي تبقى حالة شاذة فلربما لم يقدر المريض خصوصاً الطفل ما سيلحقه من ضرر”.
وتابعت “مهمة الاشراف الطبي في حماية خصوصية المريض وإذا كان ولا بُد من نشر الصور فيجب نشرها مع تشفير الوجوه”.
مدير الصحة: عدم الخبرة هو السبب
من جهته، اعتبر مدير صحة طرطوس أحمد عمار أن ما قامت به صفحة المشفى بنشرها لصور المرضى دون تشفير “خطأ ولا يتفق مع سياسة الصحة، لكنه غير مقصود نابع عن عدم خبرة في هذا المجال وسيتم التوجيه بتعديل المنشور وتشفير الصور كافة”.
وتابع “عمار” أن “حالة العائلة المرضى مشهورة في المنطقة ولديها قصة قديمة احتاجت شهور من محاولات الاقناع للعلاج في المنزل لكن وصل الأمر لضرورة التواجد بالمشفى خصوصاً بعد ترافق الحالة مع سوء تغذية شديد”.
وأشار “عمار” إلى أنه “تم عزل غرفة ضمن المشفى للعلاج وتأمين البروتوكول العالمي وتطبيقه فيها وذاك بعد استشارة مشفى الأمراض الجلدية بدمشق وظهرت النتائج خلال 3 أيام بشكل مبهر بعد رحلة عناية طبية مكثفة وآنية”.
وختم “عمار” أن “الجهود المبذولة من الكادر الطبي دفعته لنشر الأمر لاعتباره أن له الحق بنشر جهوده خصوصاً بعدما صوبت إليه بعض الاتهامات بالتقصير تجاه الحالة قبل وصولها للمشفى لكن نتيجة خطأ نُشرت الصور دون تشفير”.
القانون السوري يجرم انتهاك الخصوصية
بدوره، رأى المحامي رامي جلبوط أن “المسؤولية بالجرم المرتكب والمتمثل بنشر صور المرضى على وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولية مركبة وعلى عدة مستويات”.
وأضح خلال حديثه إلى تلفزيون الخبر أن المسؤولية “تبدأ بالدرجة الأولى من عند الطبيب المعالج والذي جاء في قانون مزاولة مهنة الطب رقم ١٦ لعام ٢٠١٢ ولا سيما في المادة ١٧ منه أن الطبيب ملزم بالحفاظ على الأسرار التي يتطلع عليها بسبب مهنته وعليه أن يتجنب افشائها إلا في الحالات التي توجبها القوانين”.
وأردف “جلبوط” أن “هذه الأسرار تتمثل بالمرض والعلاج وأسماء المرضى وكل معلومة من شأنها أن تحدد المريض والمرض المصاب به والعلاج الذي يخضع له وعلى هوية المريض واسمه وصورته جميع هذه المعلومات سرية يجب الحفاظ عليها والتزام الطبيب فيها التزام شامل”.
وتابع “جلبوط” “إن الحق بالحفاظ على الخصوصية وحرمة الحياة الخاصة مسألة قديمة بدأت مع القوانين البابلية التي حرمت دخول البيوت بدون إذن أصحابها ومروراً بالشريعة الإسلامية التي وضعت قواعد واضحة في الحفاظ على الخصوصية”.
وقال “جلبوط”: “عند صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أصبحت الحياة الخاصة والمعلومات الشخصية مصانة بموجب شريعة دولية وصولاً إلى الدستور السوري الذي قال في المادة ٥٤ منه إن كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة أو غيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور جريمة”.
ونوه “جلبوط” إلى أن “قانون العقوبات السوري جاء بنصوص تجرم انتهاك حرمة المنزل وإفشاء الأسرار من خلال الاطلاع على الرسائل والبرقيات والمكالمات .
وأضاف “المرسوم رقم ١٧ لعام ٢٠١٢ الخاص بتنظيم التواصل على الشبكة والجريمة المعلوماتية والذي وضع أخيراً قواعد تحفظ خصوصية البيانات والمعلومات والحياة الخاصة وتلائم التطور الحاصل اليوم بالاتصالات وانتشار المعلومات واستخدمها عبر مواقع التواصل”.
وأضاف “جلبوط” أن المرسوم “فرض عقوبات مشددة على انتهاك حرمة الحياة الخاصة والتي يمثل نشر صور المرضى أحد مظاهرها وأيضاً غرامات عالية القيمة، وأخيراً جاء القانون ٢٠ لعام ٢٠٢٢ الذي صدر مؤخراً والذي سيبدأ بالسريان في الشهر القادم ليشدد العقوبات أكثر ويزيد من قيمة الغرامات ووسع من نطاق التشهير وانتهاك الحياة الخاصة”.
وختم “جلبوط” أن “ما قام به المشفى يشكل جرم التشهير المرتكب بواسطة الشبكة ويحق للمتضررين ملاحقة المسؤولين عن هذا الجرم أمام القضاء”.
وتمنى “جلبوط” أن “صدور تعميم من وزير الصحة يماثل التعميم الذي صدر عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في العام ٢٠١٩ بمنع نشر صور المستفيدين من العمل الخيري والذي صدر بعد احتجاجات شديدة على ارتكابات بعض الجمعيات واليوم يجب أن يكون هناك موقف مشابه لمواجهة ارتكابات بعض العاملين بالسلك الطبي”.
يذكر أن القوانين العالمية لحماية السرية الخاصة بالمرضى تنص على تحمل الجهات الطبية المسؤولة عن المريض كامل المسؤولية حول سرية معلوماته ومنع تسريبها أو الاطلاع عليها أو سوء استخدامها أو الإساءة إليه بسببها.
جعفر مشهدية-تلفزيون الخبر