قصة خروجنا من تصفيات المونديال..من باب “الوقت الضائع” لمحراب “كثرة الطباخين”
خرج منتخبنا الوطني الأول بكرة القدم، من تصفيات مونديال قطر 2022، دون أن يتمكن من تحقيق حلم، طالما انتظره السوريون، بالمشاركة في مونديال الكرة، ولو لمرة واحدة.
وجدد منتخبنا الكروي، عهده مع الخيبات في تصفيات المونديال، ليسجل اسمه كواحد من أكثر منتخبات الأرض قاطبة، التي فشلت رغم كل محاولاتها، ببلوغ كأس العالم.
لكن حسرة الفشل هذه المرة، كانت أقسى من سابقاتها، بعدما أهدر منتخبنا، فرصة قد لا تتكرر في القريب العاجل، لبلوغ الحدث العالمي، بسبب عدة اعتبارات، كانتهاء عمر الجيل الحالي افتراضيا، وسهولة القرعة نسبيا.
ومن الأسباب التي جعلت فرصتنا هذه المرة سانحة أكثر من غير مرات، الوقت الطويل الذي أتيح للقائمين على كرتنا، للإعداد للدور الحاسم، بعد محاولات كثيرة، نسب فيها الفشل بالتأهل، للحجة السورية الشهيرة، “ضيق الوقت”.
وبدا منذ لحظة سحب القرعة الخاصة بالدور الثاني للتصفيات، قبل ثلاث سنوات تقريبا، أن منتخبنا سيضمن تواجده في الدور الحاسم، نظرا للفوارق الكبيرة بين منتخبنا والصين من جهة، وكل من الفلبين، المالديف وغوام، وهو ما تحقق لاحقا، بعد قرابة عامين.
واتخذ اتحاد فادي الدباس الكروي حينها قرار التحضير للتصفيات الآسيوية، بإشراف مدرب منتخبنا الجديد/القديم، والمثير للجدل، فجر إبراهيم، رغم كل الانتقادات التي توجه للمدرب، في كل مرة يتولى فيها شؤون المنتخب.
وأسهمت نتائج فجر إبراهيم في المباريات التحضيرية، باستقالة اتحاد فادي الدباس، بعد الهزيمة بخماسية من إيران، و”الزفة” التي تلقاها منتخبنا في دورة “نهرو”، وانتهاء بالسقوط في بطولة غرب آسيا، والهزيمة أمام لبنان.
وتولت لجنة مؤقتة برئاسة ابراهيم أبازيد حينها إدارة شؤون الكرة السورية، وغضت الطرف عن الصورة السيئة التي ظهر بها منتخبنا طيلة فترة الإعداد، وجددت الثقة بفجر إبراهيم مدربا، ليقود أول خمس مباريات في التصفيات.
وواجه فجر إبراهيم حينها مشكلتين، اعتذار عمر خريبين مجددا عن المنتخب، قبل عودته لاحقا، واعتزال قائد المنتخب فراس الخطيب، ليحقق خمسة انتصارات متتالية.
وثبتت الانتصارات حضورنا بالدور الحاسم نظريا، لكنها لم تحضر بالصورة التي تليق بالفوارق الفنية بين منتخبنا، وباقي خصومه، باستثناء الصين.
ومع تولي اتحاد العميد حاتم الغايب دفة قيادة كرتنا، مطلع 2020، اتخذ القائمون على ملف المنتخب قرارهم بتنحية فجر إبراهيم، كنتيجة طبيعية لإداء لم يكن كما يجب، وهي السمة العامة، لكافة فترات فجر إبراهيم، مع منتخبنا.
وخسر المنتخب بذلك قرابة ستة أشهر من الإعداد للدور الحاسم، كان من الممكن أن يقودها مدرب أكثر حنكة وخبرة من فجر إبراهيم، وهو التوجه الذي أقره اتحاد الغايب لاحقا.
واتجه اتحاد “الغايب” لخيار المدرب غير المحلي، واستقر القرار على التونسي الشهير نبيل معلول، الذي بدأ عهده مع “نسور قاسيون”، قبل عامين، بعنوان تطوير الأداء، والبحث عن جمالية اللعب، والتجهيز للدور الحاسم.
وأتيح “للمعلول” فرصة لالتقاط أنفاسه، مع تأجيل التصفيات بسبب بدء انتشار فيروس كورونا حينها، ولم يحسن التونسي استغلالها، خاصة مع عودة النشاط الكروي في سوريا، كأول دولة عربية تعاود نشاطها الكروي، بعد انتشار كورونا.
وبدا منذ بدايات عهد “المعلول” أننا سنعاني مع قصة رواتبه، المجمدة مع أموالنا المجمدة في “الفيفا”، بسبب العقوبات، وتاليا ظهر التونسي بمظهر، من يريد أن يعمل “على راحتو”، طالما لا يقبض بشكل شهري.
وغاب “المعلول” عن متابعة مباريات الدوري من داخل سوريا، واقتصرت زياراته على معسكرات متعددة، ينجزها، ويقفل عائدا إلى بلده، مع خوض 4 مباريات تحضيرية انتصر في واحدة منها فقط..
وبعد أشهر من دخوله في خلاف مع عمر خريبين، عاد الرجل ليفجر خلافا مع الاتحاد الرياضي العام، وينتقد غياب المكافآت، وتأخر رواتبه، بعد ساعات من انتهاء الدور الثاني من التصفيات، ليغادر الدكة الفنية لمنتخبنا، بعد أكثر من عام على تضييع الوقت وسوء التحضير.
وحضر اسم المدرب “الجماهيري” نزار محروس، ليكون المنقذ للمنتخب، خلفا لنبيل معلول الذي غادر مطلع صيف 2021، وتعاقد اتحاد الكرة معه، بعنوان اعتاده السوريون، “الإنقاذ والعمل في الوقت الضيق” لمحاولة استغلال حضور منتخبنا في التصفيات الحاسمة.
وعاد السوريون مجددا لنظرية “ضيق الوقت”، ودخل نزار محروس لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومحاولة اللعب “على القد”، آملا بتكرار إنجاز 2017، حينما اقتربنا من بلوغ المونديال، مع أيمن حكيم، وأسلوبه الدفاعي.
لكن حسابات حقل “المحروس”، لم تتطابق مع بيدر “المنتخب”، وفشل المحروس بتحقيق ما هو أكثر من نقطتين فقط، من ستة مباريات، وكان شاهدا على عمل فريقي عمل باتحاد كرة القدم، مع رحيل اتحاد “الغايب”، ودخول لجنة “السباعي” المؤقتة.
وما بين غياب الأداء وحضور النتائج في عهد “فجر”، والعكس في عهود “معلول والمحروس”، اتجهت اللجنة المؤقتة للمدرب الأجنبي مجددا، وتعاقدت مع الروماني “تيتا”، كحل “إنعاشي” أملا بمعجزة تحقيق 3 انتصارات في آخر 4 مباريات بالتصفيات.
ورغم ضعف “سي في” المدرب الروماني، إلا أنه طار بأحلام السوريين بالعلالي، بعد انتصاره على تونس في كأس العرب، برديف منتخب سوريا، وبغياب “النجوم”، ليطمع السوريون معه بالمعجزة المونديالية.
لكن “تيتا” عاد واستقطب جميع “النجوم”، رغم تواضع ما قدموه في مباريات الدور الحاسم، ودخل بتشكيلة تشبه خيارات سلفه، في لقائي الإمارات وكوريا الجنوبية، فكان كمن انتظر من تكرار تجاربه، نتيجة مختلفة كل مرة.
وهكذا، تعاقب 4 اتحادات لعبة، و4 مدربين، على تجربة إعداد المنتخب لبلوغ المونديال، وهكذا، كثر الطباخون، فاحترقت الطبخة، وهكذا أحرق المعنيون، 3 سنوات من التحضير، كانت كفيلة بتحقيق حصاد أفضل وأنجح مما تحقق.
ويتحسر السوريون على تجربة منتخب 2019/2022، ولو حضر منذ بداية الإعداد، مدرب أجنبي قوي “بسي في” مميز، وباتفاق كامل على كافة البنود المالية، وكيفية حصوله على مستحقاته أولا بأول.
فأصل النجاح يكمن بالاستقرار على خيارات موفقة، ومنحها فترة زمنية كافية، لخلق منتخب متجانس، يخوض معسكرات ومباريات بشكل دوري، بإشراف كادر يتابع عمله على أرض الميدان، وليس من خلف شاشات الموبايل، والبرامج العربية والمحلية التلفزيونية.
ربما لا جديد في فشل منتخبنا ببلوغ المونديال، فهل يكون الجديد، بالاستفادة من الدرس، واستثمار الوقت المريح نسبيا، قبل انطلاق كأس آسيا 2023، بعد أكثر من عام، بكادر يستمر لنهاية البطولة، ويبدأ تحضيراته منذ مباراتي التصفيات أمام لبنان والعراق؟
تلفزيون الخبر