العناوين الرئيسية

آراء واقتراحات برلمانية وأكاديمية حول آلية الاستبعاد من الدعم وإعادة هيكلته

أثار القرار الحكومي القاضي باستبعاد فئات من السوريين من الدعم الحكومي جدلاً كبيراً بين المواطنين وخاصةً بعد الأخطاء الكثيرة التي رافقت تطبيقه، والتعديلات التي طرأت على الفئات المستهدفة لاحقاً.

تزامن ذلك مع تأكيد حكومي على أنّ عملية المراجعة والتدقيق للآلية مستمرة، سواء لجهة إدخال فئات جديدة أو إعادة النظر بفئات تمّ استبعادها بناء على ما يأتي من اعتراضات، فماذا قال برلمانيون وأكاديميون على الآلية المعتمدة؟ وما هي الاقتراحات والاعتبارات التي يعتقدون أنها تحقق إعادة هيكلة إيجابيّة للدعم؟

اقتراحات واعتبارات قد تُثمر إيجاباً

بهذا الخصوص، قال الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب، الدكتور حسن حزوري، لتلفزيون الخبر: “لا شك أن الدعم الاجتماعي بمختلف أشكاله يستنزف موارد كبيرة من الإيرادات، ويشكّل رقماً كبيراً في الموازنة العامة للدولة، وعبئاً على أي حكومة قادمة أو حالية، وعليه لا يمكن الاستمرار بتقديمه بشكله الحالي دون الاعتماد على مصادر تمويل ثابتة وحقيقية”.

وأشار “حزوري” إلى أن: “إعادة توجيه الدعم لمستحقيه أصبح حاجة ضرورية، لتخفيف العبء على الموازنة، شريطة أن لا يخالف مبادئ الدستور في تكافؤ الفرص بالحقوق والواجبات، وبما لا يجعل من المواطنين السوريين طبقتين مدعومة وغير مدعومة، مما سيخلق شرخاً اجتماعياً ووطنياً كبيراً”، على حد تعبيره.

وتابع أستاذ كلية الاقتصاد بالقول: “في الواقع، ومن خلال متابعة سجل الحكومة خلال السنتين الماضيتين، نراه حافل بالإخفاقات والتناقضات والتصريحات العشوائية لأعضائها، حول موضوع تكلفة الدعم على الموازنة العامة، حيث كان الهدف من هذه التصريحات التهرّب من المسؤولية”.

وأضاف “حزوري”: “كانت الحكومة في كل مرة ترحّل المشاكل الجوهرية للأمام على حساب المواطن ومستواه المعيشي وقوته الشرائيّة، فعوضاً عن أن تكون أولوياتها معالجة وضبط الفساد والهدر الكبيرين في مؤسسات الدعم المختلفة وطوابيرها، كانت تلجأ للحل الأسهل المتمثل بتقليص عدد المستفيدين من الدعم، بغض النظر عن النتائج الاقتصادية والاجتماعية”.

وتابع الدكتور “حزوري”: “هذا ماحصل، يوم الثلاثاء الأسود (الأول من شباط 2022)، وقرارات برفع الدعم وفق معايير عشوائية، وبيانات غير صحيحة، ومتناقضة، نتج عنها حالة استياء شعبي، مما اضطر الحكومة، للتراجع المؤقت عن الاستبعاد من الدعم، لكل من تقدّم باعتراض عبر المنصّة الإلكترونية”.

وحول الاقتراحات التي يرى أنها تُثمر إيجابياً بموضوع هيكلة الدعم وتوجيهه، أجاب “حزوري”: “لتلافي الاخطاء السابقة، من الضروري أن يكون الاستبعاد وفق معيار الدخل الحقيقي الذي يحصل عليه المُستبعد، مع إعادة النظر بهيكل الرواتب والأجور ومقارنته مع تكلفة الحصول على الاحتياجات الأساسية والضرورية للمعيشة”.

وأضاف “حزوري”: “يجب أن يترافق ذلك مع برامج حماية اجتماعية للفقراء، وبرامج دعم للعاطلين عن العمل، تترافق مع برامج لربطهم بسوق العمل من خلال إعادة تأهيلهم بالتعاون مع غرف الصناعة والفعاليات الاقتصادية، إضافةً إلى وضع خطة تدريجيّة للانتقال من الدعم للسلعة إلى الدعم النقدي للمستحقين فعلياً”.

وأشار “حزوري” إلى: “ضرورة التدرّج في رفع الدعم وتحرير السلع بحيث نتخلّص من وجود سعرين مختلفين لنفس المادة، والذي يقلل من الفساد والسوق السوداء بطبيعة الحال، ويجب أن يكون الموظف والعامل في القطاع الحكومي والمتقاعد خط أحمر”.

وتابع الأستاذ في كلية الاقتصاد: “يجب فصل دعم المحروقات عن بقية المواد الغذائية وخاصة الخبز، بمعنى يجب فصل البطاقة العائلية عن بطاقة الآلية، كما أن الخبز خط أحمر، يمكن للحكومة أن ترفع سعره قليلاً، لكن من غير المقبول أن يكون له سعرين، مدعوم وغير مدعوم”.

وأضاف “حزوري”: “بالنسبة للبنزين، يمكن تخفيض كمية البنزين المدعوم للسيارة الواحدة، لأن امتلاك سيارة خاصة ليس رفاهية، وخاصةً في ظل أزمة وسائل النقل العامة، كما أن السيارة الخاصة قد تكون وسيلة إنتاج أو سيارة خدمة، واستبعادها سيساهم في رفع الأسعار مجدداً”.

وتابع الاقتصادي: “وعوضاً عن استبعاد السيارات وفق معيار سعة المحرك والقول أصغر من 1500 سي سي أو أكبر ، يمكن فرض ضرائب تصاعدية على السيارات كلما ارتفعت سعة المحرك، آخذين بعين الاعتبار القيمة الحقيقية لكل فئة من السيارات”.

ونوّه “حزوري” إلى ضرورة: “معاملة كل شركات الأموال معاملة واحدة، سواء أكانت شركات مساهمة عامة أم خاصة، أو شركات محدودية المسؤولية، بحيث لا يُستبعد من الدعم من يملك حصص سهمية، لا تزيد قيمتها الأسمية عن مبلغ محدد متساوي، أو أرباح سنوية بسقف محدد”.

وتساءل أستاذ الاقتصاد: “هل يعقل أن يُعفى المساهمون في الشركات المدرجة في سوق دمشق للأوراق حتى حدود 5 % من الأسهم، بينما تمّ استبعاد كل مساهم يملك حصص في شركات محدودة المسؤولية عائدها السنوي لا يزيد عن 100 ألف ليرة سورية، وإعفاء من يحصل على الملايين”.

وأشار “حزوري إلى إنه”: “وكما هو مطبّق في عدد كبير من دول العالم، فرض ضرائب على الصفقات (التداولات اليومية) التي تتم في سوق دمشق للأوراق المالية المعفي منها حالياً، مع الإبقاء على إعفاء الاكتتابات الأولية من أي نوع من الضرائب”.

وشدد “حزوري” على: “ضرورة مكافحة التهرّب الضريبي، وإيجاد مطارح ضريبية تزوّد الخزينة بموارد مالية، بحيث تحقق العدالة الضريبية، والعمل بالسرعة القصوى على تطبيق ضريبة القيمة المضافة والضريبة الموحدة على الدخل”.

ونوّه أستاذ الاقتصاد إلى: “ضرورة الاستثمار الأمثل للأملاك العامة المهدورة والمستولى عليها، وإعادة النظر بعقودها الاستثمارية والإيجارية، وفق الأسعار الرائجة”.

ليختم “حزوري” حديثه بالتأكيد على: “أهمية ضبط الإنفاق الحكومي والتقليل من الهدر، وتقليص الجولات الوزارية الميدانية وتكاليفها الباهظة، وسحب أسطول السيارات الكبير والفائض عن الحاجة الموجود لدى مؤسسات الدولة بمختلف مسمياتها من مدنية وغيرها..”.

مُشيراً إلى إنه: “لا يوجد دولة في العالم تضع تحت تصرّف مسؤوليها عدد من السيارات الخاصة كالسيارات الموجودة في سوريا، وبذلك ستوفّر الحكومة كتلة نقدية كبيرة”، على حد قوله.

برلماني: “القرار مخالف للدستور”

وفي سياق متصل، قال عضو مجلس الشعب عن محافظة حماة، الدكتور محمد عبدالكريم، لتلفزيون الخبر، إن: “المشكلة الأساسية في قرار الاستبعاد من الدعم هي مخالفته للدستور، وتحديداً مخالفة البنود المتعلّقة بمساواة المواطنين في الحقوق والواجبات، وتلك التي تنص على ضرورة تلبية الحاجات الأساسية للمجتمع والأفراد كأحد الأهداف الأساسية للسياسة الاقتصادية للدولة”.

وأضاف عضو مجلس الشعب: “منذ بدأت فكرة الترويج لرفع الدعم، طالبت مراراً بأنهم إذا أرادوا رفع الدعم ولا بد من ذلك، فيجب أن يتم رفعه عن الجميع، وتوزيع مبالغ الدعم على الجميع، وهذا يمنع الفساد الذي أصبحنا نتغنّى بمحاربته”.

وتابع الدكتور “عبد الكريم”: “الفساد موجود في وزارتين، أو الأصح القول بمؤسسات تلك الوزارتين، وهما وزارتي النفط والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، والسبب هو ما يسمّى بالمواد المدعومة، لكن الآن ومع إقرار رفع الدعم، الأهم هو التركيز على ما جاء فيه من مخالفات دستورية واضحة، وعلى المعايير التي تمّ اعتمادها لاتخاذه”.

وأكّد “عبدالكريم” على أن: “مجلس الشعب والأعضاء انتقدوا بشفافيّة القرار والآلية التي تمّ تطبيقه بها”، واصفاً الآلية بأنها: “تفتقر إلى أدنى معايير الدقة والصحة، وجعلت من المواطن حقل تجارب فاشلة”، مُشيراً إلى أنه: “تقدّم بمذكرة خطية بهذا الخصوص، والأكيد أن هذا الشعب الصامد لا يستحق مثل هذه القرارات التعسفيّة، وما أكثرها”.

وختم النائب عن محافظة حماة حديثه: “كل ما يحدث سبب للمواطن الفقر والإرهاق، إضافةً إلى انعدام ثقته بالحكومة، وكأن الحكومة تعمل بعكس الاتجاه والتوجيهات، بالرغم من توصيات سيد الوطن الدائمة بالدفاع عن المواطن، واتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها الرفع من سويته المعيشيّة”.

عضو مجلس الشعب: يجب اعتماد تصنيفات تحقق عدالة أكثر

من جهته، أوضح عضو مجلس الشعب عن محافظة طرطوس، الدكتور محمد جري، لتلفزيون الخبر، إن: “الأخطاء التي حصلت في آلية اعتماد المُستبعد من المدعوم هي التي أثارت الضجة، أكثر من القرار بحد ذاته، ولطالما طالبت بضرورة مناقشة هذا القرار الحساس للغاية تحت قبة مجلس الشعب، قبل إقراره بشكلٍ رسمي، وهذا مالم يحصل”.

وتابع النائب “جري” بالقول: “بما يتعلّق بالفئات المستبعدة يجب اعتماد معايير واضحة وأكثر دقة، كما كان من الضروري فرز المستبعد من المدعوم، قبل شهر على الأقل من تنفيذ القرار، والإعلان عن ذلك، بحيث يتم فتح باب الاعتراض قبل دخول القرار حيّز التنفيذ، بالتالي لتجنّبوا كثير من الثغرات والأخطاء التي حصلت”.

وختم النائب عن محافظة طرطوس حديثه بالقول: “حتّى الفئات التي باتت مستبعدة من الدعم اليوم يوجد بينها فروقات، واختلافات بالأحقيّة، بالتالي من المفروض أن يتم اعتماد تصنيفات جديدة أكثر تفصيلاً، وتحقق عدالة أكثر، وخاصةً بما يتعلّق بمادة الخبز الحساسة للغاية”.

اقتصادي يدعو للعودة بالمشروع إلى نقطة الصفر

وبالعودة لأصحاب الاختصاص، قال الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة تشرين، الدكتور أحمد أديب أحمد، لتلفزيون الخبر: “فكرة رفع الدعم عن غير المستحقين صحيحة، لكن تمّ تطبيقها بطريقة عشوائية مما تسبب بتحوّلها من أمر مفيد للدولة والشعب إلى أمر مدمر لاقتصاد البلد والمستوى المعيشي للفقراء”.

وأضاف الدكتور “أحمد”: “لذلك على الحكومة أن تتخذ فوراً إجراءً أولياً بإعادة الأمور إلى شكلها السابق دون أيّة تعديلات عشوائية، وتبدأ بجمع بيانات حقيقية وفعليّة عن المواطنين، وتقسيم المقرر استبعادهم إلى شرائح حسب الملكيات والدخل الشهري”.

وتابع أستاذ كلية الاقتصاد: “وبعد التأكّد من صحة البيانات يمكنها أن تبدأ بالانتقال وتغيير شكل الدعم، من شكله العيني الحالي إلى شكل نقدي يصرف عبر البطاقة الذكية لكل عائلة، هذا يضمن استمرار الدعم للفئات المستحقة أولاً، وضمان وصوله إلى مستحقيه ثانياً، إضافةً إلى سد فجوات التسرّب والسرقات والفساد”.

برلماني: “الأغنياء لا يشترون الخبز المدعوم”

بدوره، قال النائب البرلماني، ثائر حسن، في حديثه لتلفزيون الخبر، إن: “موضوع إيقاف أو رفع الدعم عن شرائح من المجتمع لذرائع مختلفة لم يكن منصفاً لعدد كبير من السوريين، ولم تتم دراسته بالشكل الكافي، كما أن موضوع هيكلة الدعم أمر كبير، ولا يتم بهذه الآلية التي اعتمدت”.

وأضاف عضو مجلس الشعب عن محافظة اللاذقية، مُتسائلاً: “ألا يجب أن نعلم أين ستذهب الكتلة المالية التي ستتوفر عن قرار رفع الدعم، وهل ستذهب لرفع الرواتب والأجور والإنتاج أم أنها فقط لتغطية العجز في الموازنة؟”، مُشيراً إلى أنه: “أول داعمين القرار في حال تأكّد من إيصال الدعم لمستحقيه، والفئات الأكثر هشاشة في المجتمع”.

وتابع “حسن” بالقول: “بما يتعلّق بالخبز تحديداً فيجب أن يصل لجميع المواطنين وبالسعر المدعوم، بطبيعة الحال الأغنياء لا يشترون الخبز المدعوم”، مُشيراً إلى أن: “القرار جاء متسرعاً وغير متكامل الدراسات، وهذا ما ظهر عن طريق البيانات التي حملت الكثير من الأخطاء”.

وأشار “حسن” إلى إنه: “طالبنا بإيقاف القرار وعقد جلسة مع اللجنة الاقتصادية بمجلس الوزراء من أجل دراسة عميقة لقرار رفع الدعم، إضافةً إلى تشكيل لجنة من مجلس الشعب وفق المادة 82 من النظام الداخلي لمتابعة الموضوع مع اللجنة الاقتصادية”.

وختم النائب عن محافظة اللاذقية حديثه بالقول: “بعض الزملاء ذهبوا لأبعد من ذلك.. وطالبوا باستجواب الحكومة أو حجب الثقة عنها، لكن في المحصلة أنا مع إيقاف الدعم عن الأغنياء وإيصاله لباقي شرائح المجتمع بطريقة مدروسة، شريطة أن يصل الخبز المدعوم لجميع المواطنين”.

يُذكر أن وزارة الاتصالات والتقانة خصصت موقعاً إلكترونياً يمكن من خلاله للمُستبعدين من الدعم تقديم اعتراضاتهم، ليصار إلى تحويل البيانات التي تمّ الاعتماد عليها في الاستبعاد من الدعم إلى الجهة المعنية بها بشكلٍ إلكتروني، بحيث يتم دراسة أسباب الاستبعاد وإعادة النظر بها.

يُشار إلى أنه تمّ استبعاد 596628 بطاقة أسرية من الدعم الحكومي أي ما يعادل 15 بالمئة من البطاقات كمرحلة أولى، مع التأكيد على أنّ عملية المراجعة والتدقيق مستمرة سواء لجهة إدخال فئات جديدة أو إعادة النظر بفئات تمّ استبعادها بناء على ما يأتي من اعتراضات.

شعبان شاميه – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى