حكاية خمسينية الشتاء و “السعودات” في الموروث الشعبي السوري
لم يترك الموروث الشعبي حادثة أو مناسبة إلّا وربطها بقصة أو مثل تتناقله الأجيال، وكغيره من الأحداث والمناسبات، زخر فصل الشتاء بعدد كبير من القصص والأمثال، من أهمها قصة خمسينية الشتاء وسعوداتها.
معظمنا سمع عن سعد الذابح أو سعد الخبايا أو سعد السعود أو سعد البلع، لكن قليل منّا يعرف قصتها أو المناسبة التي دفعت أجدادنا إلى إطلاق هذه التسميات بعينها على هذه الأيام المحددة من فصل الشتاء.
وعن أصل تسمية مجموعة “السعود” هذه، تقول روايات كبار السن إن “هناك شخصاً يسمّى سعد كان في طريقه للسفر، فنصحه أبوه أن يتزوّد بفراء وقليل من الحطب اتقاء لبردٍ محتمل، لكنه لم يسمع نصيحة أبيه ظاناً أن الطقس لن يتغيّر كثيراً أثناء رحلته، حيث كان الطقس في ذلك الوقت دافئاً”.
وما إن بلغ سعد منتصف الطريق “حتّى تلبّدت السماء بالغيوم وهبّت رياح باردة وهطل مطر وثلج بغزارة، فلم يكن أمامه سوى ذبح ناقته وهي كل ما يمتلك، ليحتمي بأحشائها من البرد القارس، فسمّي ذبح الناقة بـ (سعد الذابح)، لكن “سعداً” شعر بعد ذلك بالجوع فلم يجد أمامه سوى أحشاء الجمل ولحمه للأكل، فابتلعها فكان (سعد البلع)، كما تقول الرواية”.
“وبعد أن هدأت العاصفة وسطعت الشمس، خرج سعد فرحاً من مخبئه وبكتاب الحياة مجدداً بسبب ذكائه (سعد السعود)، وحرصاً منه على متابعة طريقه دون مشاكل قام بصناعة معطف من وبر الناقة، وحفظ كمية من لحم الجمل المتبقي بما ورثه عن ذويه من طرق بدائيّة لحفظ الأطعمة فكان ذلك (سعد الخبايا)”.
أمّا في الجغرافيا المناخية، فظاهرة “السعود” تعود الى ما يعرف بـ ”الخمسينية” التي تبدأ في الأول من شباط من كل عام، ومدتها 50 يوماً تقسم على 4 مدد “كل سعد مدته 12.5 يوم”.
وينتهي “سعد الذابح”، في منتصف نهار 13 شباط، وتقول الروايات فيه “ما بضل كلب إلّا نابح”، دلالة على شدة البرد في هذه الفترة، أي، حتى كلاب الشوارع تختبئ طلباً للدفء.
أمّا “سعد بلع”، فيبدأ في النصف الثاني من يوم 13 شباط وينتهي في الـ 25 منه، ويقال فيه “مهما أمطرت فإن الأرض تبتلع ماءها بسرعة”.
وفي “سعد السعود” الذي يبدأ في 26 شباط وينتهي ظهر 10 آذار قالوا “المي تدور بالعود، والمي هي الروح والحياة”، أي أنه في هذه الفترة يبدأ النسغ يسير في جذوع الأشجار وأغصانها.
أمّا “سعد الخبايا” الذي يبدأ ظهر 10 آذار وينتهي في 22 منه، فقد قال الأقدمون فيه “في سعد الخبايا بتطلع الحيايا وبتتفتل الصبايا”، وبانتهائه تنتهي الخمسينية، ويبدأ الاعتدال الربيعي.
يُذكر أن خمسينية الشتاء تشكّل عادةً ما نسبته 38 بالمئة من أمطار الموسم المطري وتكثر فيها “الثلجات”، بحسب اختصاصيين، وأمطارها في غاية الأهمية للزراعات الصيفية ولمزارعي الزيتون والقمح والشعير.
يُشار إلى أن الخمسينية تتكوّن من خمسين يوماً، تبدأ يوم 30 كانون الثاني من كل عام وتنتهي بتاريخ 22 آذار، وسواء كانت قصة خمسينية الشتاء والسعودات صحيحة أم لا، فهي تبقى من تراثنا الشعبي الممتد منذ مئات السنين والذي يحمل العبر والحكم والكثير من القصص.
شعبان شاميه – تلفزيون الخبر