” فخور بإصلاح الإنسان في عقله وحذائه”.. عبد الكافي عباس معلمٌ بإحدى مدارس حمص صباحا و بإصلاح الأحذية مساء
لا شك أن العمل الشريف قيمة إنسانية، وهو خير من البطالة ومد يد العون، إن امتلك الإنسان صحته للقيام بذلك، فلا يعيب ولا ينقص من قيمة الشخص، قيامه بأي عمل، رغم نظرة بعض المجتمعات الناقصة، نتيجة تأثرها بموروث عرفته أيام الجاهلية، وهو تعيير الناس بعملهم، فيقولون” ابن الشوفير”و” بنت اللفاية”.
يرفض المعلم عبد الكافي عباس، وهو من سكان حي السبيل بحمص، تلك الموروثات والنظرة الخاطئة تجاه العمل، حيث افتتح محلاً لتصليح الأحذية في شارع المهاجرين، ليعمل به بعد انتهاء الدوام في مدرسة عيسى الفاحلي.
يقول عبد الكافي، في لقاء مع تلفزيون الخبر:” أفتخر جداً بهذا العمل، كونه شريف وبالحلال، حيث أعمل على “تصليح الإنسان من فوق ومن تحت”، وبعد أن أقوم بواجبي في المدرسة على تعليم الطلاب، آتي إلى المحل لتصليح الأحذية”.
ويروي عبد الكافي، بدايته مع هذه المهنة، قائلاً” تعود أصولنا إلى قرية جب الجراح بريف حمص الشرقي، وتعلمت أنا وإخوتي هذه المهنة من والدي، بالوقت نفسه الذي تابعنا فيه تحصيلنا العلمي، فكنت أمسك الكتاب في يد، والمطرقة في اليد الأخرى”.
وتابع” صحيح أن هذا الشيء غريب وخارج عن المألوف، بل وربما غير محبذ، كونني معلم وأعمل بمهنة بعيدة عن وظيفتي، إلا أن في هذا الشيء رسالة أود توجيهها، لكل من يشتكي البطالة، وعدم سعيه وراء رزق، فأي مهنة أفضل بكثير من إضاعة الوقت والتحسر دون أي فائدة”.
“العمل مقدس وعبادة، هذه فلسفتي في الحياة، وحقيقة الأمر أن هذا العمل حماني من نفسي، ومن إضاعة الوقت في اللغو والتحسر والعزلة، بل استطعت من خلاله تحسين وضعي المادي وتأمين مستلزمات أسرتي بشكل أفضل”.
يضيف عبد الكافي، لتلفزيون الخبر” يجب علينا أن نتعلم من الأزمة، بأن الوقت الذي يضيع لا يعود، وعلينا استغلاله بالعمل والاستفادة منه في أي مهنة دون حرج وخجل، على أن يكون العمل شريف وقانوني”.
وعن المواقف التي تحصل مع طلابه، أشار إلى أن:” الكثير منهم يمرون على المحل للسلام علي، حيث نمزح سوية ونضحك، حتى أن أحد الطلاب الأشقياء، قال إحدى المرات بصوت عال في المدرسة أنه رآني ماسكاً الحذاء في يدي، فقلت له مر علي كي أصلح حذاءك أيضا”.
وتابعّ” للأسف، توجد عدة مفاهيم خاطئة في ثقافة مجتمعنا، ومنها النظرة للعمل، والزاوية التي ينظر إلى الشخص الذي يقوم بها، ويجب على كل شاب أن يساعد بتغيير تلك الثقافة، حيث نرى في بلاد العالم المتقدمة مهندساً بثياب متسخة، بينما يريد الجميع عندنا الجلوس وراء المكاتب دون أي تعب وعناء”.
وأردف” أنا أستاذ في مدرسة بحي السبيل منذ عشرين عاماً، ولم أرغب يوما ً بالعمل الإداري، بل أحببت التعليم لأستمد طاقتي من الأطفال، وآتي إلى المحل مباشرة بعد انتهاء الدوام، دون الذهاب إلى منزلي، بعد تجهيز سندويشات الغداء من قبل زوجتي”.
وعن عائلته، يقول ” يفتخر أولادي الثلاثة بعملي، وكثيراً ما يأتون إلى المحل، لمساعدتي والرغبة بتعلم المهنة، طالبين مني السماح لهم بالقص والدرازة وغيرها، مع توعيتهم أن العمل رديف للعلم، ولا يؤثر على المستوى التعليمي، ومن ينظر عكس ذلك يكون تفكيره قاصراً”.
وأردف:” كما أوجه الشكر لزوجتي التي وقفت بجانبي في كل ظروف حياتي، فكانت زوجة وأخت وأم ومساعدة لي، ولم تكن منكسرة اجتماعياً بسبب عملي، بل كثيراً ما افتخرت بذلك أمام الجميع، كما تساعدني على تريب المحل وتنظيفه، ونخطط سوية لتوسيعه وتحسينه”.
ويوجّه عبد الكافي رسالة للشباب قائلاً..” هم جرحنا، وعليهم ألا يستسلموا للحالة الراهنة رغم صعوبتها، فعلينا أن نواجهها بالعمل، وخلق النجاح من صلب الانكسار، واستغلال الوقت عوض الإدمان على الكسل، وإن شبهنا العمر بعقد ألماس، فالعمل هو جوهرته البراقة”.
عمار ابراهيم _ تلفزيون الخبر _ حمص