عن الحِل والتِرحال.. المغتربون السوريون في وطنهم بين القلب والجسد والهواجس
بينما غدا المغتربون السوريون في حلٍّ وترحالٍّ من أمرهم وهم يعيشون بقلبٍ في البلاد، وعقلٍ وحياة في المغترب، يختبر كل منهم هواجس مختلفة ترافقهم مذ حطوا رحالهم في البلدان التي اختاروها إلى أن يعودوا مؤقتاً إلى الوطن، ليشهدوا، بالتالي، حال البلاد وتغيراتها التي يعيشها ذووهم.
سوريا.. المقصد الأول
وفي الوقت الذي يختار فيه أي شخص قضاء إجازته في بلاد الرخاء وعواصم الشهرة والجمال، يختار بعض السوريين في إجازاتهم أن يكونوا على أرض الوطن بين جباله وبحره وأهله المثقلين بأحمال تلك الجبال.
وشهد صيف 2021 في سوريا تزايداً في أعداد السوريين الذين غادروها سابقاً وعادوا لقضاء الإجازات على أراضيها من مختلف أصقاع الأرض، حاملين معهم شوق السنين العجاف والشغف إلى لقاء الأهل والأحبة، بحسب استطلاع أجراه تلفزيون الخبر.
لايمكن أن أقيم زفافي بعيداً ..أهلي بانتظار الفرح
يعود اليوم “غيث”، شاب سوري (٣٨) عاماً إلى سوريا بعد أن غادرها إبان الحرب إثر فقدانه منزله وعمله بحثاً عن فرصة عمل في بلد عربي آخر، ليغادره لاحقاً إلى أوروبا، بحسب ماروى لتلفزيون الخبر.
يقول: “اشتقت للبلاد واخترت أن ألتقي شريكة حياتي فيها كي نعقد قراننا أخيراً هنا بعد سنوات من الانتظار، يضيف: “لم يكن بالإمكان نفسياً أن نعلن فرحتنا خارج أرضنا”.
وأقام “غيث” فرحه في سوريا بين أهله وأهل زوجته وأصدقاء طفولته، حيث قال: “الناس متعبون يشتاقون للفرح والبهجة وفيما لو كنت في المغترب لا يمكن أن أقيم زفافاً كهذا”.
“العالم تعبانة كتير”
بينما تعبّر “فرح” (30 عاماً )، مقيمة في السويد عن فرحتها العارمة لدى عودتها إلى مسقط رأسها، تقول: “أياماً طويلة من الفراغ والملل كانت تمر دون روح”، مضيفة “الأوضاع اختلفت كثيراً عن السابق، هناك حالة من التعب الذي شمل كافة المناحي”، مهمهمة “العالم تعبانة كتير”.
الأمان يزداد كما صوت المولدات
في حالة أخرى، يجد “أسامة” (36 عاماً) يعيش في ألمانيا، بعد عودته إلى سوريا أن “الانطباع الأول لديه عند دخول البلاد لم يتغير، فيما عدا شعور الأمان الذي ازداد أكثر من المرات السابقة”.
وأردف “الوضع السيء معيشياً مؤلم، وتأمين مستلزمات الحياة اليومية من خبز ومياه وكهرباء ومحروقات أصبح يتطلب جهداً و وقتاً أكبر ربما يستحوذ هذا الهاجس على كامل وقت المواطن السوري”.
ويكمل “عند متابعة التغييرات على مواقع التواصل الاجتماعي كنت أحاول أن أقنع نفسي أن الأمر مبالغ فيه، لكن للأسف، تطابق كل ما تابعته مع أرض الواقع من ناحية الغلاء المعيشي وصعوبة تأمين الأساسيات”.
كما يرى أن “معنويات الناس منخفضة عن السابق، والوضع النفسي يزداد سوءاً وتوتراً وما يزيده مثلاً ضجيج المولدات المستمر حتى وقت متأخر من الليل، حيث لا يمكن للإنسان أن يرتاح تماماً، وعندما يختفي ضجيج المولدات يبدأ ضجيج الموتوسيكلات و زمامير السيارات حتى وقت متأخر”.
الأول يشكي والآخر يكتم .. الناس صنفين
أما رانيا، (29 عاماً) مقيمة في أوروبا، فتقول:
“لم يتغير الانطباع الأول لدى دخولي البلاد دائماً يدفعنا الشوق لاستعجال الوصول وتضيع منا تفاصيل كثيرة خاصة نحن الذين نواظب على زيارة سوريا ولم ننقطع حتى في سنوات الحرب”.
وتضيف “لذلك يبقى إحساسنا الأول أننا وصلنا للمنزل بسلام ومررنا بما هو أسوأ خلال الحرب، أسوأ ما لاحظته أن الكل مرهق ومتعب ويعاني من تفاصيله اليومية”.
وتردف “المهم أننا لم نعد نشعر بالخوف الدائم على من نحب ونحن في دول الاغتراب، تأنيب الضمير بأننا رحلنا وتركناهم يواجهون الموت كل لحظة بات أقل”.
رانيا التي تؤكد أنها “لا تشتاق كثيراً للعودة إلى سوريا”، تعود لتؤكد أنها “تشتاق للأشخاص وليس للأماكن”، وتضيف “لا أشتاق للطرقات بحفرها ولا للمعاملات الرسمية بساعاتها الطويلة ولا لانقطاع الكهرباء، وللأسف لم أكن أتمتع برفاهية خلق ذكريات مريحة في سنوات ما قبل سفري لأشتاق لها”.
من جهة أخرى، تقول رانيا: “ما استغربت منه هو توافر الكثير من الرفاهيات في الأسواق بأسعار مرتفعة، بينما معظم السوريين يعانون من أزمات في توفير أساسياتهم، حيث ترى أن “التفاوت الطبقي بات أكثر وضوحاً”.
وتقول: “أبرز ما لاحظته أن الناس منقسمة إلى صنفين، صنف مستعد أن يحكي لك ساعات طويلة عن معاناته مفترضاً أنك تعيش في راحة مطلقة ولا يترك لك مجال لتشاركه البوح ولو لدقائق، وصنف لا طاقة له للكلام”.
أهلي أتلفوا “مونتهم” والهموم قصص يومية
تختلف في ذلك “رانيا” مع “ربا” (شابة أخرى تقيم في ألمانيا) حيث ترى الأخيرة أن “العودة إلى سوريا تفتح المجالات للبوح وللتعبير، وهي التي توجهت فور وصولها إلى البحر الذي كبرت في مدينته ولطالما اشتاقت له رغم كثرة البحار والمحيطات هناك”.
تقول “ربا”: “عند وصولي شعرت بقمة الفرح وأنا التي عدت مشتاقة لكل تفصيل هنا.. الحياة الاجتماعية، أهلي وأصدقائي للتسلية والضحك الذي غاب في أغلبه عن وجوه الناس المتعبة من ملاحقة أساسيات الحياة”.
وتردف “صعقت بارتفاع الأسعار الجنوني ومن سوء وضع الكهرباء”، حيث شهدت زيارتها زيادة في التقنين ما أدى إلى إتلاف أهلها لكل مونتهم، وتختم حديثها بالقول: “هموم الناس الكبيرة تحولت إلى قصص يومية”.
ربما تتسع الفجوة بين مقارنة قصص السوريين اليومية تلك هنا وهناك .. غصة الغربة ومعاناة من لم يختارها وعقد العزم على البقاء، لكن ما يُتفق عليه أن غصات السوريين جميعاً تفاقمت في الوقت الذي قطعوا فيه أشواطاً من التعلل بالآمال، وارتقاب الانفراجات.
روان السيد – تلفزيون الخبر