“الوضع خطر ونخاف الوصول إلى مراحل حرجة”.. صنّاع الدواء يطالبون برفع سعره سريعاً
طالب عدد من أصحاب معامل الأدوية في سوريا وزارة الصحة بالتحرك السريع لرفع أسعار الأدوية كاملة إلى ضعف السعر، لتفادي أزمة فقدان أدوية مرتقبة سببها إغلاق المعامل بعد إفلاسها.
وجاءت المطالب، بعد اجتماع عقده عدد من أصحاب معامل الأدوية في سوريا ورئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية، لبحث المطالب وإيضاح أسبابها والمخاوف لدى أصحاب واحدة من أكثر الصناعات حاجة وحساسية، وهي صناعة الأدوية.
وعلى خلفية الاجتماع، بين رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية، الدكتور رشيد الفيصل، في حديث لتلفزيون الخبر، أن “مطالب رفع سعر الدواء من قبل وزارة الصحة تأتي بعد التخوف من فقدانه لعدم قدرة المعامل على تصنيعه، حيث تتكبد خسارات فادحة ومستمرة”.
تكاليف الاستيراد.. من المادة الأولية إلى علبة الكرتون
وشرح “الفيصل” أن “سعر الدواء مرتبط مباشرة بسعر الصرف، وسعر الصرف تغير منذ أكثر من شهرين من 1260 ليرة إلى 2550 ليرة، وبالتالي كل الحوالات والفواتير الواجب تسديدها إلى البنك ارتفعت إلى الضعف”.
وأردف “ارتفاع سعر الدواء حاجة ليس فقط بسبب المواد الأولية الدوائية المستوردة والمواد المالئة والمساعدة والتي تكون أحياناً أغلى سعراً من المادة الدوائية المستوردة، بل إن الصناعة الدوائية كاملةً فيها استيرادات أخرى، ابتداءً من علبة الكرتون إلى ورقة النشرة والتغليف الداخلي، كل ذلك يتم استيراده ودفع ثمنه بالقطع الأجنبي”.
وتابع “الفيصل” أن “الجانب الآخر هو الجانب التشغيلي، المرتبط بالقطع التبديلية والآلات وصيانتها والمخابر الدوائية التي تفحص كل المواد الواردة مسبقاً قبل تصنيعها والمواد المنتجة، للتأكد من جودتها ودقتها وهي ذات كلفة عالية جداً”.
قطاع الدواء في خطر.. والمواطن سيدفع الثمن
وقال الدكتور رشيد الفيصل إن: “الوضع الدوائي الحالي بخطر في حال لم يتم تدارك الأمر واتخاذ التدابير المناسبة قبل أن تتوقف المعامل، وبالتالي انقطاع الدواء، وعليه فإن المواطن سيدفع الثمن، حيث سيسعى بكل الطرق للحصول على دواء بأي طريقة بسعر مرتفع ومنها طرق غير نظامية، لأدوية لا يعرف مصدرها”.
ويؤكد “الفيصل” على أن “المطلب من وزارة الصحة رفع سعر كل الأدوية بنسبة 100%، ومع هذه الزيادة، ستبقى بعض الأدوية خاسرة”.
وعزا السبب إلى أن “سعر المواد الأولية من بلاد المنشأ وأجور الشحن، جميعها ارتفعت بنسبة الضعف خلال الفترة الأخيرة على خلفية الأزمة الاقتصادية التي خلفها فيروس “كورونا”.
وأوضح “الفيصل” أن “الإنتاج السوري المحلي يغطي تقريباً ما نسبته 93% من حاجة السوق، في حال كان السعر صحيح والتوريد مستمر ومنتظم للمواد الأولية ومواد التغليف والتعبئة والرقابة”.
وبين أن “هذه النسبة تتناقص تدريجياً ويمكن أن تصل إلى 10%، وفي هذه الحال لا يمكن لأحد استيراد مادة خاسرة وليس لدينا إنتاج مواد أولية ابداً وكل المواد الداخلة مستوردة إلا نسب قليلة من الكحول والأعشاب ولا تشكل إلا جزء صغير جداً من مجمل المواد المستوردة”.
بدلات تحويل باهظة تثقل كاهل المعامل.. والمستفيد شركات الصرافة
وشرح “الفيصل” خلال حديثه أن “العقوبات الاقتصادية على سوريا، أثرت على القطاع الدوائي واستيراد مستلزماته، فنحن نستورد معظم موادنا الأولية من الصين حالياً، لكن هناك بعض المواد محصورة في دول معينة ومحتكرة فيها وهي ترفض أي فواتير قادمة من سوريا، وعليه فإننا نلتف على العقوبات حتى نحصل على الضروري منها”.
ولفت “الفيصل” إلى أن “شركات الحوالات تتقاضى عمولة بدل تحويل، كان حددها المصرف المركزي بنسبة 18% للحوالات الصادرة، وهي نسبة بعيدة عن الواقع والحقيقة”.
وأكد “أنا دفعت نسبة بدل عمولة وصلت إلى 45%، واليوم شركات الحوالة تبيعنا الدولار بعمولة 10%، بقيمة 2790 ليرة سورية وهذه القيم حرفياً مبالغ مرعبة، وتشكل عبء كبير على هذه الصناعة”.
هل ستشهد سوق الأدوية استقراراً في أسعارها؟
فسر الدكتور “الفيصل” أن “استقرار سعر الدواء لن يكون بلمح البصر، لكنه ليس بعيد المنال، ولدينا القدرة والإمكانية على تسريعه لمدة لا تتخطى عدة أسابيع في حال تجاوبت معنا وزارة الصحة، ولن يشعر المواطن بأي فراغ خلال هذه المدة”.
ونوه بأن “المشكلة أن تغير سعر الصرف يلزمه تغير مستمر بسعر الدواء، وفي وقت سابق، كانت اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء، أصدرت قراراً يلزم وزارة الصحة بتعديل الأسعار كلما تغير سعر الصرف 30%، فكيف يمكن عدم رفعها، واليوم السعر ارتفع رسمياً بنسبة 100%، وعلى أرض الواقع الرفع أكثر بكثير؟”.
“تاميكو” تضاعف أسعارها.. والمعامل الخاصة على السعر القديم
وفي سياق متصل، أوضح الدكتور “الفيصل” أن “الشركة الطبية العربية “تاميكو” الحكومية، ترفع أسعارها باستمرار، بمعدل نشرة جديدة كل أسبوع، لتتناسب مع سعر الصرف، وللحقيقة أنها محقة في هذا الرفع بالأسعار، كونها تعاني ما نعانيه، لكن باتت بعض أصنافها أعلى سعراً مما هي عليه لدى المعامل الخاصة، في حين كانت تساويها سابقاً في السعر”.
وتأكيداً على ما ورد، أكد صيادلة من دمشق وحلب، أن “سعر عبوة دواء (أزيثرومايسين) لدى المعامل الخاصة يبلغ 700 ليرة، بينما لدى تاميكو وصل إلى 4300 ليرة، وهو مفقود حالياً”.
الصيادلة يؤكدون: 30% من الزمر الدوائية مفقودة أو مقننة
وبين عدد من الصيادلة في محافظتي حلب ودمشق، لتلفزيون الخبر، أن “ما نسبته 30% من الزمر الدوائية في سوريا مفقودة أو مقننة”.
وأرجع الصيادلة السبب “وراء خسارة المعامل مادياً وعدم القدرة على الاستيراد، وما يؤكد ذلك، أن الصنف أو الزمرة تفقد من كل المعامل في آن معاً”.
ويتوقع الصيادلة “رفع سعر الدواء بنسبة 70% حالياً، لتفادي خسارة المعامل، وللتناسب مع قدرة المواطنين الشرائية”.
ويرى الصيادلة أن “هناك مشكلة من وزارة الصحة في نشرات رفع الأسعار المتكررة التي تربك الصيدلي والمعمل في آن معاً، وتزيد من الخسارة، حين تصدر نشرات رفع أسعار كل عدة أيام، والحل هو رفع سعر جميع الأصناف لمدة معينة في آن واحد”.
وأكدوا أن “المعامل منذ عام وأكثر، تمارس سياسة التقنين على الأصناف الموزعة، بحيث تعطي كل صيدلية، عبوة واحدة من كل صنف، لبعض الزمر الدوائية، حتى تغطي أكبر قدر من الصيدليات”.
وتضع المعامل الصيادلة أمام خيار “بيع قطعة واحدة من الدواء المقطوع، مقابل شراء خمس قطع إما منتهية الصلاحية، أو ستنتهي قريباً، أو بيع صنف غير مرغوب، وبالتالي خسارة للصيدلي والمواطن على حد سواء”.
وأشار الصيادلة إلى بعض الزمر المقطوعة وتتضمن “بعض أنواع الصادات الحيوية، أدوية الصرع، أدوية البروستات”، والباقي جميعها مقننة.
أصحاب المعامل يستنجدون بوزارة الصحة
واستنجد خلال الاجتماع أصحاب المعامل بوزارة الصحة لأخذ التدابير سريعاً، بإصدار قرار رفع الأسعار، ويقول رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية لتلفزيون الخبر: “نحن أمام مهنة حساسة ومكلفة جداً، وهي تتعلق بالحياة والصحة، وبالنهاية هي مسألة وطنية وإنسانية أساسية”.
وأشار “تابعنا العمل بكل الظروف السابقة مهما كانت قاسية، لكن المعاناة لم تعد محتملة لأننا سنقع بعجز مالي، وبالتالي ستتوقف المعامل لا محال”.
ويعتبر الدواء السوري من الأدوية ذات الجودة العالية، وحاصل على شهادات تؤكد جودة تصنيعه على مدار السنوات السابقة، وشهد هذا القطاع خلال سنوات الحرب فقدان للعديد من الزمر الدوائية، واحتكار غيرها في أحيان أخرى.
لين السعدي – تلفزيون الخبر