بـ”التجربة الحلبية” .. حاصر حصارك فأزماتنا إلى زوال
عادت أزمة المحروقات التي نتج عنها أزمة أخرى في المواصلات لتخنق أهالي حلب بذكريات الحرب والحصار الذي طالهم لسنوات افتقرت فيها المدينة للعديد من الخدمات والمواد الأساسية، كالكهرباء والمحروقات والمياه وغيرها.
وأظهرت الظروف المعيشية القاسية حينها الشهباء على أنها أخطر مدينة بالعالم، إلا أنه رغم ذلك انتهت حربها وخرجت حلب تنبض حياةً مجدداً.
ويستذكر أهالي حلب تجربتهم مع واقع المحروقات وأزمة المواصلات التي طالتهم خلال سنوات الحرب، لا سيما مع دخول البلاد حالياً بأزمة شبيهة لها، وإن اختلفت هذه المرة الجهة المحاصرة للبلاد.
وفي مشهد مشابه لسنوات الحرب، عاد خلو معظم شوارع مدينة حلب من حركة السيارات التي إما “كرجها” أصحابها لعدم توفر البنزين، وإما تنتظر “الفرج” أمام محطات الوقود، وسط شبه اختفاء لوسائل النقل العامة والخاصة من “سرافيس” وتكاسي لذات السبب.
ومقابل ضعف الحركة المرورية في شوارع حلب، تكتظ الأرصفة بالمواطنين الذين عادوا أيضاً لتمارينهم الرياضية التي تعودوا عليها خلال سنوات الحرب، وهي المشي مضطرين للوصول إلى أعمالهم، والمحظوظ منهم من تتوقف أمامه سيارة خاصة لأخذه في طريقها أو لأقرب منطقة يمكن أن يصل لها.
وكما اعتاد الحلبيون خلال سنوات الحرب على لملمة أوجاعهم والتعاضد بالقدر المستطاع، عادت ظاهرة “التوصيل على الطريق” دون مبادرات.
وكان أهالي حلب من باب الفكاهة خلال سنوات الحرب والحصار الذي طال عليهم، يطلقون النكات حول وضعهم بأن يقولوا “ما عاد في بحلب كروش”، في إشارةٍ منهم إلى أن كافة المشاوير حينها كانت مشياً على الأقدام أو جرياً من رصاص وقذائف المسلحين.
الأمر الذي يبدو أن جزءاً منه عاد حالياً مع أزمة المحروقات هذه التي يرى البعض أن “شدتها تبلغ شدة سنوات الحرب”.
ويضطر معظم أهالي حلب للمشي مسافات ليست بقليلة من أجل الوصول إلى وجهتهم، وسط أمل ضعيف بأن تظهر إحدى وسائل النقل أمامهم، وهذه المعاناة تتمثل على أشدها في الأحياء البعيدة عن مركز المدينة كجمعية الزهراء وحلب الجديدة والمهندسين وشارع النيل.
وتحدثت شابة من حي جمعية الزهراء تعمل في مخبر تعويضات سنية بحي الجميلية لتلفزيون الخبر عن معاناتها اليومية مع المواصلات قائلةً بأنها في الأيام الأولى من بدء أزمة المواصلات كانت تنتظر باص النقل الداخلي لحوالي ساعة كاملة قبل وصوله.
وأضافت الشابة: “حالياً لم أعد أنتظر الباص على الإطلاق، فساعة الانتظار هذه اختصرها بحوالي نصف ساعة مشي أصل بها إلى الجميلية إن لم أتمكن الظفر بأي سرفيس أو باص في شارع النيل مثلاً”.
وعبرت الشابة عن استسلامها للواقع قائلةً: “أزمة المواصلات هذه تطال البلاد كافةً، ولا أعلم حلها فأنا لست بمسؤولة حكومية، وحتى تصريحات مسؤولينا نراها دون أي حل، ومختصرها القول أنه بين التخفيض والتخفيض هناك تخفيض آخر”.
ويستذكر شاب آخر من حي الفيض سنوات الحرب السابقة في حلب قائلاً: “ما عشناه خلال تلك السنوات يكرر حالياً، والفرق بين الفترتين هو غياب القذائف فقط”.
وتابع: “أزمة المحروقات هذه أعادتنا للمشي على الأقدام وخلو الشوارع من السيارات، وحتى تأمين الحاجات الأساسية أصبحت من الصعوبات الكبيرة بسبب ارتفاع الأسعار، وكل ذلك بسبب حصارنا الجديد التي نتعرض له هذه المرة من الخارج”.
أما عن وضع البنزين وأسعاره في السوق السوداء، فوصلت لحوالي 4500-5000 ليرة سورية (إن وجد بالأصل)، فتأمين المادة أصبح من الأمور الصعبة جداً، كما كان سابقاً خلال سنوات حصار مدينة حلب أيضاً.
وكانت عملية بيع البنزين في مدينة حلب خلال سنوات الحرب تتم على الأرصفة، كون محطات الوقود خلت حينها من المحروقات، حتى أن عملية شراء البنزين كانت تتم بـ 5 لـ 10 ليترات لا أكثر.
ولم تكن تنفع تلك الكمية القليلة إلا لمشوار اضطراري ليوم أو يومين فقط، “فهل يعقل أن يتكرر هذا المشهد خلال الأزمة الحالية؟”، سؤال يراود عدد كبير من أهالي حلب في ظل غياب بوادر انتهاء هذه الأزمة التي طالت.
وكافة تلك الأحداث والأزمات التي عصفت بمدينة حلب، (وإن ذكرنا جوانب محددة منها) انتهت دوماً بالأساليب البديلة التي أبدعها الحلبيون ومازالوا.
ويعيش المواطن السوري حالياً بتكتيك “حاصر حصارك” في شقاءٍ مستمر للالتفاف على أزمات بلده التي أصبحت تأتي تباعاً وكأنها “سباق ماراثوني”.
وكما كان الحلبيون بلا كهرباء خرجوا بـ “الليدات” و”الأمبيرات”، وبلا بنزين صعدوا على “البسكليت” متسابقين على الأرصفة حارقين “الكروش”، مياههم آبار حفروها بأرض الشهباء، ولا تخبرنا “التجربة الحلبية” إلا أن أزمتنا إلى زوال.
وفا معقل أميري – تلفزيون الخبر