لوتس.. بطلةٌ لم تستطع قساوة الحرب أن تسلبها إرادتها وقوتها
تصور لنا الأفلامُ السينمائيةُ دوماً أن الإنسان ليكون بطلاً عليه أن يمتلكَ قوىً خارقةً، كأن يطير أو ينفخ النار أو يتمكن من إيقاف قطارٍ سريعٍ بيدٍ واحدة، وهي نظرةٌ واهمةٌ حالمة، فالإنسان دائماً ما كان مولعاً بمحاكاة الأمور التي يعجز عن تحقيقها.
أمّا الواقعُ حولنا ففيه نوعٌ آخر من الأبطال، يخوضُ فيها البطلُ حربهُ الخاصةَ دون أسلحة أحياناً إلا إرادته، ويتعرض خلالها لظروفٍ صعبةٍ وقاسيةٍ ويخرجُ منها منتصراً، وينجِزُ ما لم ينجزهُ غيره ممن لم تختبرهُ التجربة.
لوتس بطلةٌ قصتنا واحدةٌ من الشهود على مآسي الحرب وفصولها القاسية، تعرضت مع أسرتها للاختطاف ثم تحررت هي وأخواها، إلا أن والدتها لا تزالُ أسيرةً حتى اليوم دون معلومةٍ مؤكدة عنها.
يوم المجزرة / ليلة من ليالي عام 2013
تروي لوتس وهي فتاة من ريف اللاذقية الشمالي قصتها لتلفزيون الخبر وتقول عن يوم الحادثة: سهرنا تقريباً لمنتصف الليل ونمنا، واستيقظنا في الساعة الرابعة فجراً على أصوات الرصاص وأصوات سكان القرية.
وتتابع لوتس التي شاهدت والدها الشهيد للمرة الأخيرة في تلك الليلة: خرج أبي ومعه بارودة صيد ولم أره من بعدها، أبي استشهد.
وتكمل: اتجهت النساء والأطفال نحو الجبل وفجأة “ما منشوفن إلا حولينا”، أختي مرح هربت مبتعدة عنهم ثم علمنا أنها استشهدت أيضاً، وأنا تعرضت لإصابة منعتني من المشي، وعلم المسلحون مكاننا بسبب أصوات بكاء الأطفال الجائعين والعطشى، وقاموا باقتيادنا لمكان بعيد، علمنا لاحقاً أنه على الحدود التركية.
وتابعت لوتس: أصبت في رجلي وفقدت قدرتي على الحركة، فقام المسلحون باختطاف جميع النساء والأطفال وتركوني في الجبل، وعادوا بعد حوالي ساعة ومعهم نقالة ليأخذوني.
وأضافت: وضعوني في مشفى ميداني، كان بعضهم رافضاً إبقائي على قيد الحياة، ومن ثم اقتنعوا بأن يعالجوني ليستطيعوا مبادلتي بأشخاص موقوفين لدى الدولة، ومن ثم وضعوا جهاز تثبيت في قدمي.
تذرف لوتس الدموع وهي تتذكر أن “أحد المسلحين اتبعها ليومين كاملين ومعه سيف يريد قتلها به”، في المنزل الذي وضعوها فيه مع 103 أشخاص من نساء وأطفال.
التحرر بعد سنة من الخطف / 2014
تحررت لوتس من الاختطاف في عام 2014، وتحرر أخواها بعدها بسنتين (2016)، ولا زالت أمها في الأسر دون أي معلومة عنها حتى يومنا هذا.
وقالت لوتس: ما كنت فرحانة أبداً برجعتي وكنت رافضة الخروج من دون أمي وإخوتي الصغار (أحمد 5 سنوات، جعفر 11 سنة)، وعندما رأيت أن أخوتي الذين يخدمون في صفوف الجيش العربي السوري، وصديقاتي من عيلة بيت “أبو صبحا” كانوا أول الناس الذين قاموا باستقبالي، انصدمت وبكيت وفرحت.
رحلة العلاج المستمرة منذ عام 2014
قالت لوتس: بقيت في مستشفى الأطفال أربعة أشهر، أجريت لي عمليتين جراحيتين برجلي، بالإضافة للعلاج الفيزيائي المستمر حتى اليوم بسبب تكلس مكان الإصابة، وكانت حالتي النفسية والجسدية سيئة جداً، خرجت من الخطف بفقر دم ونقص تغذية، لكنني استطعت التعافي نوعاً ما من ظروفي التي مررت بها.
حصولها على شهادة البكلوريا ودخولها كلية الهندسة المعلوماتية
لم تنس لوتس شهداء عائلتها الذين فقدتهم، ووالدتها الأسيرة حتى اليوم، لكنها عادت بعد بداية تعافيها إلى دراستها لتحقق حلم والدها، وقامت بالاعتناء ببقية أفراد أسرتها.
وقالت لوتس: كنتُ قد تعرفت قبل الاختطاف إلى عائلة “أبو صبحا” المكونة من 7 فتيات والذين عشت عندهم لفترة ليست بعيدة، وعندما عدتُ بقينَ بجانبي وبالتناوب في المشفى.
وتابعت: إحدى الفتيات وهي صديقتي آية، جلبت لي الكتب لأقوم بالتحضير لامتحانات الثانوية ودرست معها كل المواد، وقدمت الامتحانات وحصلت على علامات خولتني الدخول إلى كلية الهندسة المعلوماتية، وأنا الآن في السنة الرابعة ومعدلي جيد.
وعن عائلتها المتبقية تقول لوتس: لدي 3 إخوة في الجيش، وأخوي اللذين عادا من الاختطاف بعد ثلاثة سنوات، وأخي محمد الداعم الأكبر لي، الذي ورغم إصابته ورغم أنه فاقد البصر، سجل في كلية الحقوق ووصل للسنة الرابعة وهذا كان يشجعني أن أتابع.
وتكمل لوتس: عدنا واجتمعنا أنا وإخوتي في منزل مستأجر، وصرت ست البيت التي تهتم بشؤونه وتديره إلى جانب متابعتي لعلاجي ودراستي.
وتنهي لوتس حديثها بغصة حارقةٍ: “كلنا بانتظار أمي، رح تشوف حالها فينا لما بتتحرر، ناطرينك ماما.. ما نسيناكي يوم.. منحبك”.
شذى يوسف – تلفزيون الخبر – اللاذقية