في ذكرى اعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين .. العراق بداية مأساة المنطقة
تفاجأ العالم العربي في صبيحة الـ 30 من كانون أول من عام 2006 بخبر تنفيذ حكم الاعدام بحق الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين ، وشاهده مباشرة على الشاشات ، تزامنا مع عيد الأضحى حينها، ما عد تحقيرا لمشاعر بعض المسلمين.
اعدام الرئيس العراقي جاء بعدة تهم منها الابادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الانسانية في قضيتي منطقة الدجيل ومنطقة الأنفال، اللتان يشك في أنهما أظهرا للاعلام بقوة وعمدا بناء على توجهات طائفية وعرقية، كما رافق عملية الاعدام هتافات طائفية ما زال أبناء العراق يدفعون ثمنها لحد اللحظة.
حكم صدام حسين العراق بيد من حديد منذ انقلابه على رئيسه البعثي علي حسن البكر عام 1979 وتصفيته لكل المحيطين به، أشعل في حكمه صدام حسين حربين ضد كل من ايران بعد ثورتها الاسلامية عام 1980 والكويت في محاولته لضمها 1990.
حروب صدام حسين التي وصفت بالعبثية والتي استنزفت قوة ومقدرات أحد أغنى البلدان العربية، العراق، لم تجلب لبلده سوى المأساة المتكررة والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على أبناء الشعب العراقي.
عاش العراق فترة حكم صدام حسين أياما عصيبة، هي بالمقارنة مع ما يحدث اليوم في بلاد الرافدين أشبه بذكريات أيام جميلة، فالطائفية التي نخرت العراق وشكلت منطلقا لـمشاكل المنطقة برمتها، وادخالها في حروب دينية دعمها كل دول الغرب وبعض الدول القريبة، ايران والسعودية.
ولد صدام حسين عبد المجيد في قرية العوجه التابعة لمدينة تكريت في محافظة صلاح الدين وينتمي لقبيلة تسمى البيجيات في 28 نيسان من عام 1937، وتوفي ابوه قبل ولادته بثلاثة أشهر وعند بلوغه الـ 12 سنة توفي جده فانتقلت به امه للعاصمة بغداد.
وفي بغداد تزوجت والدته من رجل أخر وأصبح لصدام حسين أخوة غير أشقاء ساهموا فيما بعد في حكمه للبلاد، وعمل صدام حسين منذ صغره في الزراعة ورعي الغنم، ومن أهم الشخصيات التي أثرت في صدام حسين هو خاله الذي سكن عنده خير الله طلفاح الذي كافأه بتعيينه محافظا لبغداد ونائبا لرئيس الجمهورية بعد تسمله مقاليد حكم العراق.
ولدى محاولته الانتساب للجيش العراقي كضابط في اكاديمية بغداد العسكرية تم رفضه وكان لذلك تأثير كبير في صدام جعله بعد تسلم الحكم يلقب نفسه بـ”المهيب” كرتبة عسكرية لم توجد إلا في العراق.
وكان المد والحس القومي العربي في أوجه تلك الفترة وأثر في صدام حسين وتوجهاته، وانتظم صدام حسين في حزب البعث العربي الاشتراكي منذ صغره، ولكن عبر عنها بتطرف حين احتل الكويت فيما بعد خلال حكمه.
وعائليا تزوج صدام مرتين، الأولى ابنة خاله ساجدة الطلفاح وأنجب منها أشهر ابنائه قصي وعدي، وبناته رغد ورنا وحلا، ثم تزوج من سميرة شهبندر التي أنجبت له ابن سماه علي، التي كانت سافرت قبل سقوط بغداد 2003 إلى سوريا مع ابنها علي، وحاليا مقيمة في باريس.
بالنسبة لابنيه قصي وعدي، المعروف عنهما من الدعاية الغربية المضادة أنهما كانا أقرب للوحوش وكانا متسلطين عدوانيين، خصوصا عدي الذي قيل أنه حاول الانقلاب على أبيه فعاقبه صدام بعدة طلقات في ظهره، ثم عالجه على حسابه ليعود بعدها لتحت جناحه.
ابنا صدام قصي وعدي قتلوا على يد قوات الاحتلال الامريكي في تموز 2003، وابنتاه رغد ورنا تزوجتا من أخوين هما صدام كامل وحسين كامل اللذان فرا للاردن وأعلنا انشقاقهما عن صدام الذي وعدهما بالعفو إذا عادا وعند عودتهم قتلهما، وقيل أن حسين كامل تم ربطه بصاروخ وإطلاقه لينفجر به، ولم يتم تأكيد تلك القصة أبدا.
ولجأ صدام حسين في شبابه إلى سوريا في عام 1959 بعد تنفيذه لمحاولة ورفاقه البعثيين اغتيال فاشلة للرئيس العراقي السابق الشيوعي عبد الكريم قاسم، فأقام ثلاثة أشهر في سوريا ثم انتقل لمصر حيث يحكم عبد الناصر الذي كان في عداء مع القاسم، فأكمل صدام تعليمه في مصر.
وانتسب صدام لكلية الحقوق في مصر ولم يكمل بسبب عودته إلى العراق بعد مقتل عبد الكريم قاسم، فعاد مشبعا بأفكار البعث التي أخذها عن ميشيل عفلق والذي عاش في كنفه بعد أن أصبح رئيسا للعراق.
كان صدام نائبا للرئيس العراقي وزميله البعثي علي حسن البكر الذي أعلن استقالته في 19799، والتي قيل أن صدام أجبره عليها، وبعدها أصبح صدام حسين رئيس العراق الأوحد والمتحكم في كل مقدراته.
في البدايات وأثناء توليه لنيابة رئاسة الجمهورية اشتهر صدام حسين كثيرا في العراق بسبب سياساته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي كانت أقرب للاصلاحية، حتى أنه تسلم من منظمة اليونيسكو جائزة بسبب تطويره للزراعة في العراق.
ولكن مع تسلمه للرئاسة في العراق برز بدأ صدام بالتصرف بشكل مغاير، وبدأ عصر صدام حسين الدموي، والذي صورته مخيلة العراقيين ومخيلة هوليوود والدعاية الغربية بأبشع صوره، وبسبب حروبه العبثية أدى لتطويق العراق بمجموعة من القواعد الامريكية.
وطرد صدام حسين العديد من أبناء العراق ونفاهم ولاحقهم، منهم شعراء وكتاب وأدباء كالشاعر العراقي الأشهر مظفر النواب والفنان طالب غالي وابنته لنا، والشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، وبدأ العراق يذوي ويصبح جهنما.
وأصبح العراق “بعبعا” تخيف به حكومات الولايات المتحدة بلدان الخليج لتسرق نفطها مقابل حمايتها منه، ومن مآثر صدام أنه أطلق أيضا “كم صاروخ” على الأراضي المحتلة في فلسطين، ظل موالوه يصدعون رأس الناس بها.
وبعد حربه مع الكويت في عام 1990 ومحاوته ضمها إليه بالقوة، تم تشكيل قوة تحت مظلنة الأمم المتحدة وتم تحرير الكويت وانسحاب القوات العراقية، تلا بعد ذلك عقوبات دولية ضد العراق بانت صورها بأبشع ما يمكن أن توصف به البشرية، وجاع العراق وهو الأغنى في زمن صدام.
وبعد احتلال افغانستان في 2002 بحجة مكافحة الارهاب، قام الاحتلال الامريكي، وضاربا عرض الحائط بكل المواثيق والشرعية الدولية، وبأدلة أثبتت كذبها وقال فيها كولن باول وزير خارجية الةلايات المتحدة فيما بعد أنها كاذبة، تم احتلال العراق وسقطت بغداد 2003.
وفي العلاقة مع سوريا، ألغى وكقرار أول بعد تسلمه الحكم اتفاقيات كانت موقعة مع سوريا للوحدة كون البلدين يحكمهما حزب البعث، وصفى القيادات البعثية التي طانت تطالب بالوحدة متها إياها بالتجسس لصالح الدولة السورية.
ومنذ حينها بدات العلاقات السورية-العراقية بالتدهور، ووصف نائب الرئيس السوري فاروق الشرع في كتابه الأخير الرواية المفقودة العلاقات بين سوريا والعراق وبين الرئيسين حافظ الأسد وصدام حسين بدقة، مشيرا بشكل غير مباشر لمسؤولية صدام عن التدهور.
ودعم صدام حسين كل من وقف بوجه حافظ الأسد بدءا بالأخوان المسلمين في الثمانينيات مرورا بميشال عون في لبنان في التسعينيات، ولم تتحسن العلاقات السورية العراقية إلا بعد مجيء الرئيس بشار الأسد للحكم، فبدأ بإقامة علاقة مع صدام حسين أساسها خرق برنامج النفط مقابل الغذاء الذي كان مفروضا على العراق.
وفتح احتلال العراق وما تلاه الباب في المنطقة أمام تخبطات لا يرى لها أفق لتنتهي، صراعات طائفية وانقسامات وحروب طاحنة وتدخلات خارجية وسقوط بلاد في حروب أهلية، وأصبح عدم الاستقرار والموت هو العنوان، خصوصا مع اندلاع الحرب السورية في 2011.
وفي ذكرى مقتل الرئيس العراقي السابق صدام حسين نستذكر مقولة لرئيس عربي هو العقيد معمر القذافي الذي قال بعد اعدام صدام حسين وعلى الهواء مباشرة وأمام الرؤساء العرب في جامعة الدول العربية “الدور جايي عليكم واحد واحد”، ولسخافة القدر تم قتل القذافي بطريقة أقرب للبربرية والهمجية من قبل “ثوار ليبيين” مدعومين من قوات الناتو.
علاء خطيب