نقص المحروقات وارتفاع أسعارها.. يعيد “الجلّة” مجدداً إلى الواجهة
عاد أهالٍ في أرياف بعض المحافظات السورية، إلى شراء “الجلّة” المصنوعة من روث الحيوانات كوسيلة للتدفئة استعداداً لفصل الشتاء القادم، كبديلٍ عن المازوت المفقود، فضلاً عن ارتفاع سعره، وفقاً لما نقلته عدة مواقع إلكترونية، حيث وصل سعر النقلة الواحد منها إلى 300 ألف ليرة سورية.
بهذا الشأن، أفاد المدرّس في المعهد العالي لبحوث البيئة في جامعة تشرين، اختصاصي تصميم محطات المعالجة، وخبير تقييم الأثر البيئي، الدكتور حسين جنيدي، لتلفريون الخبر، أن: “الجلّة طريقة قديمة تستخدم كوقود للطبخ والتدفئة، كما بدأت مؤخراً بالعودة إلى أريافنا السورية نتيجة غياب وسائل التدفئة الحديثة (الغاز، المازوت، والكهرباء)”.
وأضاف خبير تقييم الأثر البيئي: “بطبيعة الحال هذه الطريقة غير جيدة، كونها تؤثر على ربات البيوت وكل من يستخدمها، نتيجة للانبعاثات الغازية السامة، والروائح المزعجة، كونها غير مضبوطة”.
وتابع “جنيدي”: “حيث يرتبط تصنيع الجلّة وإشعالها بالكثير من المنغصات، خاصةً عندما تكون تهوية المكان ضعيفة، لذلك إذا كان لا بدّ من استخدامها بفعل الحاجة، فمن الضروري تأمين التهوية الجيدة للحيلولة دون تشكّل غاز أول أوكسيد الكربون”.
وحول الأضرار، أوضح “جنيدي” أن: “كل أنواع الحرق عموماً مضرّة بالبيئة، خصوصاً تلك الغير منضبطة مثل (الجلّة، التمز، النفايات الصلبة)، لكن تعتبر النفايات الحاوية على البلاستيك الأكثر ضرراً، وينتج عنها مركبات مسرطنة (الديوكسينات، الفورانات)، لذلك من الضروري جداً عدم حرق المواد البلاستيكية نظراً لخطورتها الشديدة”.
وأضاف خبير تقييم الأثر البيئي: “من جهة أخرى ضرر الجلّة لا يُذكر، مقارنةً مع ظاهرة مستجدة بدأت خلال سنوات الأزمة، وهي الأمبيرات ووجود المولدات على الطرقات دون أي اعتبارات بيئية (تلوث بصري، تلوث بالضجيج، تلوث بالزيوت، الشحوم، والوقود)، والتي ستصل بالمحصلة إلى التربة والمياه مع هطول الأمطار”.
وبيّن “جنيدي” خلال حديثه لتلفزيون الخبر، أن: “وجود المولدات في مناطق مكتظة بالسكان والأطفال، وقرب الأبنية، وضمن الشوارع الضيقة، يزيد الطين ويفاقم من آثارها الضارة”.
وأشار الخبير البيئي إلى أنه: “عندما نقارن الآثار البيئية الناتجة عن أي نشاط من الضروري أن نأخذ بعين الاعتبار نوع المادة الملوّثة، كميتها، مكان استخدامها، الكثافة السكانية في المنطقة، إضافةً إلى حجم الإشغالات والعرقلة التي تتسبب بها، عندها سنعرف حجم التلوّث الحاصل”.
وتابع “جنيدي”: “لذلك وبالعودة إلى استخدام الجلّة، هي حل أتى نتيجة الحاجة، وطالما أن البديل غائب ستلجأ الناس إليها بالتأكيد، لذلك هناك ضرورة لأخذ الاحتياطات اللازمة”.
وحول الإجراءات الوقائية، ذكر الخبير البيئي: “عدم إشعال المواقد في المناطق المغلقة، حيث أن التهوية الجيدة تخفف من آثارها الضارة، وبخلاف ذلك ستؤدّي عمليات الاحتراق إلى تشكّل غاز أول أكسيد الكربون السام، والذي تبيّن الإحصائيات ارتباطه بالكثير من الوفيات حول العالم”.
وعن أضرار منقل التمز (العرجوم) السائد استخدامه مؤخراً بشكلٍ كبير محلياً، بيّن “جنيدي” أنه يحترق بذات الآلية التي يتم بها احتراق الجلّة، فلا ضرر كبير منهما في حال تحقيق شروط تهوية جيدة، خاصةً أنه يتم استخدامهم في الأرياف غالباً حيث المنازل متباعدة عن بعضها البعض.
يُذكر أن عودة “الجلّة” المادة التي أخفاها الزمن، بثت الريبة في هواجس كثيرين، وأثارت حفيظة من لم يألف استخدامها، إلّا أنه في عصرها كانت من الوسائل الفريدة المدرجة للاستخدام داخل المنازل الريفية، ويبدو أننا وصلنا لمرحلة أصبحنا فيها مجبرين للعودة للماضي، واقتباس الحلول، ولو مؤقتاً.
يُشار إلى أن “الجلّة” ليست الخيار الوحيد، مع دخول موسم قطاف وعصر الزيتون، يتهافت السوريون لشراء مخلفات عصر الزيتون أو ما يعرف باسم “التمز” كبديل للتدفئة وطهي الطعام، حيث يباع الكيلو الرطب الواحد منه بـ2000 ليرة، بينما يُباع الجاف بـ10 آلاف ليرة.
يُذكر أن أقراص “الجلّة” مكوّنة من خليط مخلفات الأبقار، الماعز، والأغنام، ممزوجة بالتبن الناتج عن دراس القمح أو الأعشاب الجافة، يتم تجفيفها خلال فصل الصيف بأشعة الشمس، ليتم استخدامها لاحقاً.
شعبان شاميه – تلفزيون الخبر