اللاذقية.. من النوم على كتف المتوسط إلى الغرق ببحر الظلام
لم تكد تجف ماء الأمطار الغزيرة، والأولى لهذا الموسم، التي هطلت على عموم محافظة اللاذقية الأسبوع الفائت، حتى هطلت على اللاذقانيين ساعات تقنين أشد غزارة من أمطار الخير.
وما إن سجّل الشتاء دخوله الأول في اللاذقية، وارتدى أهلها لباس “كم طويل”، حتى رافق لباسهم الشتوي ارتداء “ربطات وجع الرأس”، من كثرة غياب الكهرباء عن المدينة.
تأقلم جيران البحر مع نظام التقنين 3 ب3 طيلة فصلي الربيع والصيف الماضيين، و”رضيو بالهم علّ الهم يرضى بهم”، متأملين بشتوية على الأقل مماثلة لصائفتهم التي اعتادوا على “كهربا نص إلك ونص عليك”.
ولكن كما تتفاجأ الحكومة مع كل مطرة، تفاجئ “اللوادئة”، بزيادة ساعة إضافية على ساعات التقنين، ليصبح فجأة “رباعيات التقنين” مقابل ساعتين “من الجود عليهم بالوصل”.
ساعتان فقط بين كل 10 ساعات في اليوم تأتي فيها الكهرباء لمنازل ومحال ومكاتب وعيادات أهل اللاذقية، يجب فيهما شحن كل شيء، ملء الخزانات، وجبة الغسيل، وجبة الكوي، تسخين “الآظان”، لدرجة بات فيها كل بيت ربما بحاجة “لسكرتاريا” تنظم المهام الواجب إنجازها في 120 دقيقة.
وعلى رأس الساعة السادسة مثلا، تنقطع الكهرباء في أحياء من المدينة، فيبدأ التساؤل الأبرز “شو بدنا نسوي لسا للعشرة لتجي؟”، فالتجوال في شوارع المدينة ليلا في ظلام التقنين، دونه محاذير كالتعثر في حفر ومطبات الأرصفة والشوارع، والطقس لم يعد دافئا يسمح بالرياضة الليلية، و”انفتحي يا بواب الهموم بهال4 ساعات صفنة”.
“ما فاز إلا النوم” هكذا يخلد كثير من الناس في جارة المتوسط إلى النوم بعد العشاء، في السابعة بات معتادا أن يخلد كثر إلى نومهم وكأن مديرية الكهرباء ترفع شعار “نام بكير فيق بكير شوف الصحة كيف بتصير، وعجل جيب الخبز عالذكية يا كبير”.
و”ما زاد طين التقنين بلة”، ما تجود به مديرية الكهرباء على الشعب من انقطاعات متكررة خلال ساعاتي الوصل، بلا “إحم ولا دستور”، على مبدأ “شربتو البحر مارح تغصو بالساقية”، حيث من الطبيعي أن تستيقظ وقد تعرض أحد الأجهزة الكهربائية لضربة مكلفة ماديا، “وكأنه يقول لك اعتقني..محرزة اشتغل مشان ساعتين كهربا؟”.
ويحز بنفس سكان اللاذقية أن معضلة الكهرباء لازمتهم طيلة سنوات عشر ولكن بشدات متفاوتة، إلا أنها حافظت على حضورها ضيفا “ثقيل الدم” على بيوتهم ومعيشتهم، مع وزارة تكتفي باستعراض الأسباب فقط، وكأننا في امتحان من نمط “علل ما يلي”.
ولماذا عجز الجميع عن إيجاد حل لو جزئي لتلك “المشكلة_ المأساة” المستمرة منذ سنوات الحرب الأولى، حل يحتاج عقولا خلاقة مبدعة تتقن علم إدارة الأزمات، لا عقولا ترفع شعار “الشعب عيارو كلمتين عالفيس ليش لأجهد حالي ودور ع حل، خلص هاد الواقع”.
وكما كتب أحدهم ساخرا العلم نور والجهل ظلام، مقولة تتجسد في شوارع اللاذقية، فالعتمة جعلتنا نمشي ونجهل من أمامنا حرفيا في ظلامها الدامس، الوجوه باتت مطفأة من داخلها ومن خارجها، لكن “دون ساعتين وصل”.
هكذا تبدو اللاذقية إذا قبل شهر وأكثر من دخول “مربعانية الشتاء”، نائمة على كتف بحرها المتوسط الأبيض، وغارقة ببحر ظلماتها الأسود، اللهم إلا ثلث نهار عائم في بحر الوصل والنور والصيحة الشهيرة التي يطلقها اطفالها “هيييه” عند حضور الضياء الكهربائي.
تلفزيون الخبر